جاء إعلان يوم الثلاثاء أن المملكة العربية السعودية قد أخذت المبادرة بتشكيل “تحالف إسلامي عسكري” المؤلف من 34 عضوًا ليبشّر بأكثر الخطوات مفاجاةً في تاريخ إجراءات محاربة الإرهاب، نظريًا على الأقل. ومن المؤكد أنّ اتحاد هذا العدد الهائل من الدول المسلمة لمحاربة الإرهاب أمرٌ في غاية الأهمية، مع العلم أن هذه الحرب لن تكون عسكريةً فحسب بل ستشمل أيضًا “وقف تدفّق التمويل” للمجموعات الراديكالية العنيفة و”مواجهة إيديولوجيا التطرّف”.
والوقت وحده كفيلٌ بإثبات ما إذا سيكون لهذه المبادرة تأثيرٌ فعلي في الحدّ من تقدّم المجموعات الإرهابية، أو أنّها لسببٍ أو لآخر لن تجدِ بأي نفعٍ، أو حتّى تؤدي إلى نتيجةٍ عكسية. وقد حان الوقت فعلًا لأن تتكاتف الدول المسلمة لمواجهة المجموعات الراديكالية التي تهددها كلها من دون استثناء. إلّا أنّ عددًا كبيرًا من المخاطر قد يقف في وجه تشكيل تحالفٍ كهذا فضلا عن فعاليته.
ويبدو في تصريحات المسؤولين السعوديين، ومنهم صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الذي يبدو أنه أدّى الدور الأساسي في تشكيل التحالف، أنّ هذا الأخير سوف يعمل بشكلٍ أساسي وفقًا للأمر العسكري المشترك الصادر عن جامعة الدول العربية الذي نال ضجةً هائلة لكن من دون أن ينفَّذ. وسوف يحقّ لكافة الدول المشاركة في التحالفين طلب مختلف أنواع المساعدة من التحالف في حال وقوع أزمة.
بمعنىً آخر، لن يتحرّك التحالف إلّا بطلبٍ مباشر من الدولة التي تجري فيها الأعمال الإرهابية. وقد يتردد بعض الدول في طلب المساعدة. لذلك، يضمن هذا النظام أنّه في حال أصرّت إحدى الحكومات، لأسبابٍ سياسيةٍ داخلية أو بسبب مخاوف أخرى، على أن تنكر وجود أي مشكلة، أو أن تدّعي أنها تسيطر على المشكلة أو أنّها ليست في حاجةٍ إلى أي مساعدةٍ خارجية، ألّا يتدخل التحالف مهما تأزّمت الأوضاع إلّا بأمرٍ من الأمم المتحدة أو من جامعة الدول العربية.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنّه سيتمّ تأمين هذه المساعدات “لكلّ حالةٍ على حدة، إذ ستتخذ كلّ حكومةٍ قرارها بطلب هذا النوع من الدعم أو تقديمه، وقد يشمل هذا الأخير “التدريب العسكري أو السلاح…أو المساعدة التقنية في شؤون المراسلة…من أجل محاربة إيديولوجيا التطرف والعنف”. وتشمل المساعدة المتوافرة، بشكلٍ ضمني، كافة أنواع المساعدة وصولًا إلى التدخل العسكري الأجنبي المباشر.
وبالتالي فإنّ نشاطات التحالف الجديد بمفهومها الحالي واسعةٌ للغاية ومبهمةٌ ومشروطةٌ بعددٍ كبيرٍ من المتغيرات، ما يجعل من تنفيذها بالشكل الصحيح في غاية الصعوبة. فلن يكون من السهل ترجمة هذا الكلام الواسع والطموح على الأرض، إلّا أنّ الإجراءات السريعة والمصيرية التي سيتخذها التحالف هي التي سوف تعطيه قيمته كمبادرةٍ لمحاربة الإرهاب.
ومن الضروري الأخذ بعين الاعتبار عوامل عدّة تحدد فيما إذا كان يمكن لهذا التحالف أن يصبح قوةً عسكرية وسياسية بحقّ. فقد فشلت الدول العربية على مدى العقود الماضية في سعيها إلى تشكيل تحالفاتٍ عسكرية في ما بينها، ولم يتخطَّ تشكيل قيادةٍ عسكريةٍ مشتركة من جامعة الدول العربية أو حتى من مجلس التعاون الخليجي مرحلةَ التخطيط فحسب، كما سبق وذكرنا. ويضمّ التحالف الجديد عددًا أكبر من الدول، ولهذا السبب يشكّل تنفيذ مهمّته الواسعة والمديدة صعوبةً أكبر. فهل يمكن لهذه الخطة أن تنجح اليوم، بعد فشل المحاولات السابقة المشابهة والأكثر بساطةً؟
وقد يكون ثمن إطلاق مبادرةٍ فاشلة عمليًا باهظًا جدًا، إذ قد يضرّ ذلك بمصداقية هذه الدول (خصوصًا المملكة العربية السعودية) ويغذي ثقة المتطرفين ويخذل المعتدلين ويؤكد لباقي دول المجتمع الدولي، خصوصًا في الغرب، أنّ هذه المبادرة مجرّد “محاولةٍ أخرى” من الدول العربية والمسلمة لمحاربة الإرهاب لتعود وتبرهن عن عجزها عن القيام بذلك بشكلٍ فعّال. وقد يُعتبر الأمر برمّته كممارسةٍ للدبلوماسية العامة، أو حتى “حيلة” عقب اعتداءَي باريس وسان برناردينو في كاليفورنيا.
ومن المسائل التي تظهر أيضًا هنا هي تلك المتعلقة بالدول التي استُبعدت عن التحالف أو أقيلت منه. فلا بدّ من ملاحظة غياب الجزائر مثلًا، وهي من الدول الـعربية الأكثر خبرةً ونجاحًا في محاربة الإرهاب الإسلامي، بفضل عديدها وعتادها الكبيرين بشكلٍ أساسي. ولطالما اعتمدت الجزائر سياسةً انفرادية، ولعلّه كان من المتوقع على الأقلّ أن تتروّى وتراقب هذا التحالف الجديد عن بُعد. لكنّ الأكيد هو الفراغ الواضح الذي يتركه غياب الجزائر عن المجموعة.
وتوضع علامات استفهامٍ حول كون التحالف الجديد شأنًا سنيًا بشكلٍ شبه كامل، إذ غابت عن المجموعة إيران والعراق وسوريا. وكان لبنان في البداية من بين الدول المدرجة بين المشاركين، إلّا أنّه يبدو أنّ بيروت لن تتدخل في هذا الشأن، على الأرجح نظرًا لتأثير “حزب الله” الكبير على حكومة بلاده. إلّا أنّ البحرين من أعضاء هذا التحالف، إذ تملك أغلبيةً شيعية لكن تحكمها عائلةٌ سنية، ما يعكس العلاقة الوطيدة التي تجمع حكومتها بالرياض. إلّا أنّها الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة. ويبدو أنّ سلطنة عمان امتنعت عن الانضمام إلى المجموعة، إذ فضّلت تجنُّب التحالفات الواسعة كعادتها، خصوصًا في شؤون محاربة الإرهاب، والحفاظ على سياستها الخارجية المستقلّة في إطار مجلس التعاون الخليجي.
وهناك تبريرٌ واضحٌ “للطابع السنّي” لهذا التحالف، فهو يستهدف أوّلًا وأخيرًا المجموعات الإرهابية الإسلامية السنية. لذلك فإنّ ضمّ إيران أو أي من حلفائها أو أي سلطاتٍ شيعيةٍ مطلقة قد يعطّل المنظمة أو يؤدّي حتى إلى خسارتها لدعم الجمهور الذي تتوجه إليه.
إلّأ أنّ هذه “الهوية السنية” للتحالف الجديد تعني أنه قد يؤدي إلى تأجيج نقطة الانهيار الأخطر في المنطقة داخل الدول كما في ما بينها، إذ قد تشعر القوى والمجتمعات الشيعية أنها مستبعدة أو حتى مستهدفة. إلّا أنّ هذا التحالف الجديد يستهدف المجموعات الإرهابية المؤلفة من السنّة المتطرفين الذين يشكّلون خطرا مميتا على الشيعة، ومن المفترض أن يسهم ذلك في طمأنة القوى الشيعية حيال التحالف.
ولا تنهي أي من هذه المسائل بالضرورة هذا التحالف. فإذا تمكّن هذا الأخير من التحوّل إلى قوّةٍ أساسية لمحاربة الإرهاب والتمويل الذي تتلقاه المجموعات المتطرفة فضلا عن مواجهة الخطاب الراديكالي، فسوف يرحَّب بوجوده ويحصد تقدير المجتمع الدولي للحكومات والمجتمعات المبادِرة لتشكيله. وحتى ولو تقدّم ببطئ، قد يبرهن في نهاية المطاف عن فائدةٍ كبرى في محاربة التطرّف، أو حتّى يغيّر مسار اللعبة.
حسين إبيش هو باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.