ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في تصريحات خلال خطابه السنوي في العتبة المقدسة بمدينة مشهد، بمناسبة العام الفارسي الجديد، الذي يصادف في 21 مارس/آذار، تطرق المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى الادراك المتزايد بأن أيران معزولة عن بقية العالم. حيث قال، “لقد تمكنا بفضل جهود الأمة الإيرانية ونقاط قوتها من الانضمام إلى عدد من المعاهدات الإقليمية الهامة. لم نكن في عزلة. على العكس تمامًا، لقد ارتقينا إلى مستوى الصدارة، وتعززت علاقاتنا مع الدول والحكومات في المنطقة”، وأردف قائلاً “تعد العلاقات القوية مع أفريقيا وأمريكا اللاتينية جزءًا من جدول أعمالنا المحدد، وبإذن الله سوف نستمر في هذه الخطة”.
ولكن على الرغم من ميل المسؤولين الإيرانيين إلى تقديم علاقات إيران القوية، المفترضة، مع الدول الأفريقية كبديل لانحسار علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وانقطاع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، فقد فشلت إيران في إقامة شراكات متينة مع الدول الأفريقية. يتحدث المسؤولون الإيرانيون بشكل متكرر عن إمكانات أفريقيا التجارية غير المستغلة. ولكن التجارة الإيرانية الأفريقية لا تزال حتى الآن هامشية. وفقًا لنادي تجار إيران وأفريقيا، فقد بلغ حجم التجارة بين إيران والدول الأفريقية ما يزيد قليلاً عن 1.2 مليار دولار في الفترة من 21 مارس/آذار 2022 إلى 19 فبراير/شباط 2023. وتتوقع وزارة الخارجية أن التجارة مع أفريقيا ستتجاوز 2 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يُبقي التجارة محدودة للغاية.
على مدى هذه الفترة، كانت الوجهة الأولى لصادرات إيران إلى أفريقيا هي جنوب أفريقيا، التي استوردت ما مجموعه 304 ملايين دولار. كما صدرت جنوب أفريقيا ما قيمته 13.7 مليون دولار من البضائع إلى إيران. مع هذه الأرقام المنخفضة لهذا الحد، فإن إيران ليست مدرجة حتى بين أكبر 25 شريكًا تجاريًا لجنوب أفريقيا. كما فشلت طهران في استمالة الجهات الأفريقية الكبيرة الأخرى.
إن تأثير طهران في المنطقة يتضاءل مقارنة بتأثير الدول المجاورة. فقد تجاوزت تجارة السعودية مع جنوب أفريقيا 4.8 مليار دولار في عام 2021، وتستحوذ المملكة الآن على 15 مليار دولار من الصفقات التي تم توقيعها مع جنوب أفريقيا في عام 2022 استكمالاً لتعاون طويل الأجل في مجالات الطاقة المتجددة والصناعة والتعدين والسياحة والزراعة. كما وصلت تجارة تركيا مع الدول الأفريقية إلى أكثر من 34 مليار دولار في عام 2021، وأنشأت مجالس أعمال مشتركة مع 45 دولة في القارة.
تمتلك إيران أقل من 20 سفارة في أفريقيا، يؤكد وجودها الدبلوماسي المحدود على افتقارها لرؤية لتطوير علاقات شاملة في أفريقيا للتعويض عن عزلتها في أماكن أخرى. في المقابل، لدى تركيا سفارات في 44 دولة أفريقية تستخدمها لتنمية نفوذها الاستراتيجي والدبلوماسي في جميع أنحاء القارة. وبالمثل، في حين زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 30 دولة أفريقية منذ توليه السلطة في عام 2003، لم يقم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني بأي زيارة إلى أفريقيا خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه، والشيء نفسه ينطبق على خليفته إبراهيم رئيسي، خلال عامين تقريبًا من توليه منصب الرئيس. في أواخر أبريل/نيسان، أعلنت الحكومة الإيرانية عن خطط لرئيسي لزيارة العديد من الدول الأفريقية التي لم يتم تسميتها في وقت لاحق من هذا العام، كما تمت دعوة بعض رؤساء الدول والحكومات الأفريقية لزيارة طهران أيضًا.
إن غياب طهران الدبلوماسي ليس هو السبب الوحيد الذي جعلها لاعب صغير في ثاني أكبر قارة في العالم. يُنظر إلى إيران أيضًا على أنها فاعل خبيث من قبل العديد من الحكومات الأفريقية – ويعزى ذلك بدرجة كبيرة للجهود التي تبذلها لتصدير نسختها المفضلة من الإسلام السياسي- ما يجعل تلك الحكومات متشككة في نوايا إيران، ويجعلها مترددة في احتضانها كشريك موثوق به.
تناصب إيران العداء للمغرب، الذي يعد لاعبًا رئيسيًا في العالم الإسلامي، وصاحب سادس أكبر اقتصاد في أفريقيا، ويتم التدقيق في العلاقات بين البلدين منذ سنوات. في عام 2009، قطعت الرباط علاقاتها مع طهران بعد أن تساءل أحد مستشاري خامنئي عن سيادة البحرين، وذلك في معرض اتهامها لإيران بالسعي إلى نشر الإسلام الشيعي في المغرب ذي الأغلبية السنية. وبعد استعادة العلاقات بعد خمس سنوات، قام المغرب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران مرة أخرى في عام 2018، متهمًا إياها باستخدام حزب الله لدعم حركة استقلال البوليساريو.
ليست علاقات إيران بمصر بأفضل حال من علاقاتها بالمغرب، حيث لا توجد سفارة رسمية لمصر في إيران، وتقوم بفرض قيودٍ على سفر الإيرانيين. لطالما تسببت معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979 في استياء المسؤولين الإيرانيين، الذين على الرغم من ظهور اتفاقات إبراهام، وما ترتب عليها من تعاون أمني إسرائيلي-خليجي، ما يزالوا ينظرون بمرارة إلى الاتفاقية على أنها منحت إسرائيل موطئ قدم لدمج نفسها في العالم الإسلامي.
لقد تضافرت الجهود المتفرقة الهادفة لتحسين العلاقات مع ظهور حركة الإصلاح في إيران في أواخر التسعينيات، وكانت رحلة الرئيس السابق محمد خاتمي إلى القاهرة في عام 2007 بمثابة زيارة تاريخية لعبت دورًا هامًا لدى القوتين الكبيرتين في العالم الإسلامي للعمل على رأب الصدع. تدهورت العلاقات في ظل الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، ولم يتم تحقيق أي تقدم في ظل خليفته، روحاني. ومع ذلك، جرت في الآونة الأخيرة بعض المناقشات حول إمكانية انفراج العلاقات وتحسينها. على سبيل المثال، أقرت وزارة الخارجية الإيرانية علانية بمصلحة طهران في إقامة روابط جديدة مع القاهرة، وإصلاح العلاقات المعطلة.
على الرغم من تأكيدات المرشد الأعلى بمناسبة العام الجديد، فإن جهود إيران لتعزيز علاقاتها الخارجية في المناطق الرئيسية، بما في ذلك أفريقيا، لم تحقق الكثير من التقدم. إن التزام النخبة الحاكمة، المزعوم، بالانخراط مع أفريقيا لم يسفر عن نجاحات ملموسة للتحقق من تأكيداتهم بأن العلاقات في القارة ستسمح لإيران بالتغلب على العزلة الدبلوماسية والاقتصادية. تفتخر الدول الأفريقية في الحقيقة بقدراتها ومواردها الكبيرة التي من شأنها أن تجعل منها شركاء اقتصاديين ودبلوماسيين جذابين، ولكن دون أن تترجم نظرية التعاضد إلى خريطة طريق مفصلة، لذلك لا ينبغي أن نتوقع انطلاقة في جدول أعمال إيران في الخارج.