قال الدبلوماسيون على مدى السنتين والنصف الماضيتين إن الحرب الأهلية في اليمن لن تنتهي إلا من خلال التسوية السياسية، وهو ما اختلف معه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي قال لقناة العربية يوم 24 أيلول/سبتمبر إنه لا يرى سبيلًا سوى الحل العسكري.
ولكن ليس من الواضح ما قد يبدو عليه هذا الحل العسكري. فالخطوط الأمامية لحرب اليمن بالكاد تغيرت منذ كانون الثاني/يناير، عندما تحركت القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة شمالًا على طول الساحل الجنوبي الغربي اليمني واستولت على ميناء المُخا المطل على البحر الأحمر من تحت سيطرة الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبدالله صالح، والتي تسيطر على الجزء الأكبر من شمال غرب البلاد المكتظ بالسكان.
ولم يكن لهادي دورًا كبيرًا في هجوم المُخا الذي أدارته الإمارات وشنته الميليشيات الانفصالية الجنوبية. فالإماراتيون الذين يشاركون في تحالف تقوده السعودية، هدفه المعلن أن يعيد هادي إلى السلطة، وشركاؤهم المحليون حققوا أكبر نجاحاتهم على الأرض ضد الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولكن علاقتهم بهادي – الذي وصف القوات الإماراتية في جنوب اليمن بأنها “محتلة” – متوترة في أفضل حالاتها. وحتى صبر السعودية على هادي يكاد أن ينفد. ولولا قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يؤكد شرعيته كرئيس لليمن، فمن المرجح ألا يكون له أي رأي على الإطلاق فى نتيجة الصراع.
وتكشف الانقسامات بين هادي والإمارات عدم صحة فكرة أن اليمن تخوض حربًا أهلية تقليدية يتحارب فيها طرفان حتى ينتصر أحدهما أو حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام. بل إن الصراع في اليمن يتكون من نزاعات متعددة ومتداخلة أحيانًا وفي كثير من الأحيان بين الحلفاء المفترضين. كما أن الطبيعة المقسّمة والسياسة الداخلية لساحة المعركة اليمنية تجعل من فكرة النصر العسكري المطلق أمرًا مستحيلًا، وهو ما يعلمه هادي بالتأكيد.
وقد تصاعدت التوترات بين هادي والإماراتيين بشكل أو بآخر منذ دخول القوات الخاصة الإماراتية مدينة عدن الجنوبية في أوائل عام 2015، حيث عملت مع القوات المحلية لتحويل كفة القتال في المدينة ضد قوات تحالف الحوثيين وصالح، والتي طُردت من عدن وأغلب الجنوب بحلول منتصف العام ذاته. وقد قيل إن القوات الخاصة الإماراتية التي دخلت ساحة المعركة صُدمت من غياب التواصل بين حكومة هادي والميليشيات غير المجهزة التي تسيطر على المدينة.
وبمجرد الإطاحة بقوات الحوثيين وصالح، توقعت الإمارات أن يعود هادي ودائرته إلى عدن لقيادة جهود إعادة الاستقرار والبناء. ولكن الرئيس ومعظم أعضاء حكومته ظلوا في الرياض، تاركين الإدارة اليومية للأجزاء القليلة الخاضعة لسيطرته الإسمية في البلاد إلى محافظ معين كان قد أمضى معظم العقد الماضي خارج اليمن. وعندما قُتل هذا المحافظ في هجوم شنه الفرع اليمني من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، نفد صبر الإماراتيين واختاروا عيدروس الزبيدي، وهو قائد انفصالي يحظى باحترام كبير، ليحل محله في محاولة لاستعادة النظام في عدن.
وقد تفاقمت العلاقات منذ ذلك الحين، حيث تنافس هادي مع القادة السياسيين والعسكريين المدعومين من الإمارات في عدن وأماكن أخرى في الجنوب، مستخدمًا منصبه في أغلب الأوقات لطرد منافسيه، مثل الزبيدي الذي أقاله هادي في نيسان/أبريل، ومحافظي شبوة وحضرموت الذين يعتبران مدعومين من الإمارات، والذين انضما أيضًا إلى “مجلس انتقالي” انفصالي أسسه الزبيدي بعد الإطاحة به.
تعود هذه التوترات جزئيًا إلى اعتماد هادي على شبكة من الميليشيات والوحدات العسكرية التي لها صلات بحزب الإصلاح، وهو الحزب الإسلامي السني الرئيسي في اليمن. وبالنسبة لقادة الإمارات، فإن حزب الإصلاح قريب للغاية من جماعة الإخوان المسلمين التي يعادونها. وفي نيسان/أبريل 2016، عيّن هادي القائد العسكري الإسلامي علي محسن الأحمر الذي يشرف على القتال ضد الحوثيين في المناطق القبلية الشمالية في اليمن في منصب نائب الرئيس، مما زاد غضب القادة في أبوظبي.
وفي بعض الأحيان، أدت التوترات بين هادي والإمارات إلى تقويض الجهود الرامية إلى تحقيق تقدم عسكري. وخلال حملة المُخا في وقت سابق من هذا العام، تقدمت القوات المدعومة من الإمارات إلى مفترق طرق سريعة كان ينبغي أن يتيح لهم الوصول إلى مدينة تعز في وسط اليمن والتي عانت من بعض أشد معارك الحرب. ووفقًا لمصادر ذات موقع جيد في الجنوب، فقد خطط القادة العسكريون الإماراتيون لتجميع مركبات مدرعة ثقيلة في المنطقة بهدف التقدم إلى تعز.
ولكن في شباط/فبراير، حاولت وحدة عسكرية موالية لهادي أن تستولي على مطار عدن من تحت سيطرة ميليشيات مدعومة من الإمارات كانت تسيطر على الموقع منذ عام 2015. اندلع القتال ولم ينته إلا بعد أن فتحت مروحية عسكرية إماراتية النار على القوات الموالية لهادي. ووفقًا لبعض المصادر، اتُخذ القرار في ذلك الوقت لوقف الحملة على المُخا والتركيز على السيطرة على عدن. وتشكلت لجنة في الرياض بعد ذلك لتعزيز التنسيق بين السعوديين والإماراتيين وحكومة هادي التي يمثلها محسن ذو النفوذ المتزايد.
وفي الوقت نفسه، أعلن حاكم تعز المحاصرة استقالته يوم 26 أيلول/سبتمبر احتجاجًا على عدم دفع الرواتب، حسبما قال. وقد تكهن البعض في تعز بأنه لم يكن قادرًا على القيام بالكثير في مدينة جعلت فيها الانقسامات بين الميليشيات المدعومة من السلفيين وحزب الإصلاح من المستحيل تنسيق رد عسكري موحد على هجوم قوات الحوثيين وصالح. وفي حضرموت شرقًا، يشكو السكان من حملة اغتيالات تشكل على ما يبدو جزءًا من معركة ثأرية من أجل السيطرة على طرق التهريب بين الوحدات العسكرية المتنافسة. وقد ظهرت شقوق في تحالف الحوثيين وصالح في الأشهر الأخيرة، مع اندلاع العنف لفترة وجيزة بين الحلفاء غير المحتملين في آب/أغسطس قبل التوصل إلى مصالحة عامة اعتبرها الكثيرون لا تتعدى كونها إسعافات أولية تخفي وراءها انقسامات داخلية خطيرة.
ربما يعتقد هادي أن الاقتتال الداخلي بين الحوثيين والموالين للرئيس السابق صالح سيتيح المجال لقوات محسن للسيطرة على صنعاء. ولكن أعضاء دائرته الداخلية يسلمون بأن أي معركة من أجل العاصمة المحاطة بقبائل مدججة بالسلاح ستكون حماقة مدمرة ودموية. وعلى الأرجح أن هادي أدرك بأن رئاسته لن تدوم طويلًا بمجرد التوصل إلى اتفاق سلام. ومع دوره المحدود في لعبة الحرب الأهلية، يبدو أن لديه حافزًا ضئيلًا لإنهاء الصراع أو وجوده المريح في الرياض في أي وقت قريب.