من بين كافة الأضرار الجانبية التي يُحتمَل أن تتزايد عبر الشرق الأوسط في أعقاب هجوم الطائرة الأمريكية بدون طيّار في 3 كانون الثاني/يناير الذي أودى بحياة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، هي أن الجهود المتواضعة إنما المشجِّعة حتى الآن للتفاوض على إنهاء الحرب في اليمن هي الأكثر عرضةً للخطر.
فيما تفكّر إيران بردّها، سترغب بشكلٍ شبه مؤكّد في تفادي المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة، التي ستترتّب عنها عواقب مدمّرة للنظام في طهران. إذًا الأمر الأكثر احتمالًا بكثير هو الرد غير المتماثل، الذي سيعطي النظام إمكانية الإنكار المقبول من خلال استخدام الموارد في المنطقة، مثل المتمردين الحوثيين في اليمن.
سبق أن أظهر الحوثيون نزعة إلى تبنّي مسؤولية العمل العسكري في المنطقة الذي يُعتبَر على الأغلب إيرانيّ المصدر. فزعموا أنهم أطلقوا صاروخ كروز المتطور وشنّوا هجوم الطائرة بدون طيّار على منشآت النفط التابعة لشركة “أرامكو” السعودية في 14 أيلول/سبتمبر 2019. وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال“، “رفض المسؤولون السعوديون الأمريكيون والأوروبيون هذه المزاعم على أنها محاولة للتعتيم على دور إيران في الضربة”. ويقول هؤلاء المسؤولون: “لا يملك المقاتلون اليمنيون لا الأسلحة ولا المهارات لتنفيذ مثل هذه الضربة المتطوّرة”.
كانت دول الخليج العربية أكثر حذرًا بكثير في ردودها على هجوم “أرامكو”، فيما أصرّ المسؤولون الإيرانيون على أن الحوثيين هم مَن نفّذوا الضربة ردًّا على العدوان السعودي المستمر داخل اليمن، حيث تدخّلت السعودية لحوالى خمس سنوات في حملة عسكرية لإعادة السلطة إلى حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تعترف بها منظمة الأمم المتحدة. وأخبر أحد الدبلوماسيين الغربيين صحيفة “فاينانشال تايمز” بما يلي: “لو لم تتواجد حرب اليمن، كانت إيران ستعجز عن التهرّب من مسؤولياتها في ما يخص الهجمات”.
كان أثر الاعتداءات على أكبر منشأة سعودية لمعالجة النفط وعلى حقل نفطٍ كبيرٍ في السعودية مهمًّا جدًّا، فأحدثَ تغييرًا شبه فوري في نهج المملكة إزاء اقتراحات الحوثيين لتهدئة الأعمال العدائية. وفي الأسابيع اللاحقة، خفّضت السعودية بشكلٍ هائل وتيرة ضرباتها الجوية على اليمن. وبحلول شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أخبر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيثن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن “عدد الضربات تراجعَ بنسبة 80% تقريبًا في أنحاء البلد مقارنةً بما كان عليه في الأسبوعيْن الماضييْن”، مضيفًا أنّ “48 ساعة كاملة مرّت من دون ضربات جوّيّة” للمرّة الأولى منذ بدء النزاع. وأقرّت الرياض أيضًا أنها تُجري محادثات مباشرة، وتنقّلت الوفود من كلا الجهتيْن بحسب التقارير بين العاصمتيْن اليمنية والسعودية. وبالإضافة إلى ذلك، شارك الطرفان في مجموعة من عمليات تبادل الأسرى.
إن مقتل سليماني وأحد حلفاء العراق الأساسيين، أبو مهدي المهندس، فيما كانا يغادران مطار بغداد الدولي في الساعات المبكرة من يوم 3 كانون الثاني/يناير، يهدّد بعكْس مسار هذا التقدّم. فهو يزيد كثيرًا احتمال حثّ بعض العناصر المقرّبين من طهران داخل حركة الحوثيين على استغلال ترسانة المتمردين المهمّة المؤلّفة من صواريخ بالستية وطائرات بدون طيّار من أجل تنفيذ ضربة في أعماق السعودية، وهي خطوة ستؤدي بشكلٍ شبه مؤكّد إلى انهيار مبادرة السلام الجارية وتضمن استمرار حرب اليمن المأساوية.
سبق أن شنّ الحوثيون عدة هجمات على مطارات مدنيّة في السعودية. فأدّى أحد الهجمات في 12 حزيران/يونيو 2019 على مطار أبها الدولي، الذي يبعد حوالى 70 ميلًا (حوالى 113 كلم) عن الحدود السعودية-اليمنية، إلى جرح 26 شخصًا. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أطلق الحوثيون صاروخًا بالستيًّا بعيد المدى اعترضته قوّات الدفاع السعودية قرب مطار الملك خالد الدولي في العاصمة، الرياض.
أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، في رسالةٍ وجّهها إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 25 كانون الثاني/يناير 2019، أنه بدءًا من آب/أغسطس 2018، “بدأ يلحظ انتشار مركبات جوّيّة غير مأهولة ذات مدًى مطوَّل يسمح للقوات الحوثية بضرب أهداف في أعماق السعودية والإمارات العربية المتحدة”.
بالتالي، يملك الحوثيون بوضوح الوسائل لإيذاء حليفٍ مقرّبٍ من الولايات المتّحدة نيابةً عن إيران، فيوفّرون على النظام في طهران الحاجة إلى التدخل مباشرةً ردًّا على مقتل قائد فيلق القدس التابع له، والتعرّض للرّدّ الأمريكي الذي سيتسبب به هذا التدخّل. ولا يتّضح كثيرًا إذا ما كانوا يجدون دافعًا للقيام بذلك، نظرًا إلى الخطوات التي كانت قيادتهم مستعدّة لاتّخاذها في الأشهر الأخيرة بهدف تهدئة الأعمال العدائية مع السعودية.
في تموز/يوليو 2019، أخبر مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مسؤولين من مجموعة الأزمات الدولية أن “المزاعم حول كون المجموعة تابعة لإيران هي مزاعم واهية، وأولئك الذين يطلقونها يعلمون أنها خاطئة”. وستكشف الخطوات التي سيتّخذها الحوثيون في الأيام والأسابيع المقبلة الكثير حول صحّة تعليقات المشاط. وفي الواقع، نظرًا إلى التزايد الحاد في الاضطراب الإقليمي عقب مقتل سليماني، يتعيّن على قيادات كافة الأطراف في نزاع اليمن تصوُّر السيناريوهات المحتملة وتقييم حسنات الأعمال التي قد تميل إلى اتّخاذها وسيّئاتها.
على الأقل، لا بدّ أن تتوقّع السعودية قيام الحوثيين بعملٍ ما دعمًا لإيران – أي ربّما هجوم على البنية التحتية المدنية السعودية – وأن تقرر أي نوعٍ من الرد يخدم بأفضل شكلٍ مصالحها الأمنية على المدى الطويل. وفي هذه الحالة بالطبع، ستثيرها فكرة الرد بالطريقة نفسها. لكن في حال عدم وجود عدد كبير من الوفيّات، قد ترغب الرياض في النظر بعناية في احتمال امتصاص الضربة وإبقاء الباب مفتوحًا أمام المفاوضات مع الحوثيين، مدركةً أنّ إنهاء الحرب في اليمن هي الطريقة الأفضل لحماية مواطنيها وأرض وطنها.
على نحوٍ مماثل، على القادة الحوثيين، الذين قد يواجهون ضغطًا ملحوظًا من عناصر موالية جدًّا لإيران ضمن صفوف الحركة من أجل إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة عبر مهاجمة أحد أقرب حلفائها الإقليميين، أن يقرروا أي نهجٍ يخدم بأفضل شكلٍ مصالحهم الخاصة. وفي وصفٍ لحديثٍ مع قادة حوثيين أجرته مجموعة الأزمات الدولية في تموز/يوليو، كتبت أبريل لونجلي آلي في تشرين الأول/أكتوبر أنّ “الحوثيين واضحون بشأن اصطفافهم إلى جانب طهران إذا اندلعت حرب إقليمية والحرب في اليمن ما زالت محتدمة. لكنّهم زعموا أيضًا… أنهم يريدون التهدئة مع السعودية وأنهم سيبقون حياديين في القتال إذا انتهت حرب اليمن”.
تكثر فرص الإخطاء المأساوي في الحسابات في منطقة الخليج. وأمام أطراف النزاع في اليمن فرصة لتفادي هذه الحسابات الخاطئة، وإظهار ضبط النفس، والصمود على الطريق المؤدّي إلى السلام.