تعد الكثير من دول الخليج موطنًا لجامعات تابعة للجامعات الأجنبية، بما في ذلك جامعة نيويورك وجامعة السوربون في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى كلية الخدمات الخارجية بجامعة جورجتاون وجامعة كارنيجي ميلون في الدوحة بقطر. من خلال تقديم العديد من البرامج الأكاديمية، نفسها التي تقدمها في بلادها الأصلية، ومنح الشهادات المعتمدة، رحبت هذه الجامعات بالطلبة من جميع أنحاء العالم لأكثر من عقد من الزمان، واحتفل بعضها مؤخرًا بأكثر من 20 عامًا في الخليج. وفي حين أن العديد من المعلقين والأكاديميين في الخليج والخارج يتهمون مؤسسات التعليم العالي هذه بعدم المساهمة، بشكل كبير، في البلدان المستضيفة لها، وعدم دمج أعداد كبيرة من خريجيها في القوى العاملة المحلية، إلا أن هناك من يشيد بتنوعها وإتاحة الفرصة للسكان المحليين بالدراسة في مؤسسات تعليمية خاصة عالية المستوى.
تم في مطلع يونيو/شهر حزيران الإعلان عن أحدث تعاون مؤسساتي أكاديمي في المنطقة، يتمثل في نقل مشروع مينيرفا، ومقره الولايات المتحدة، إلى حرمي جامعة زايد في أبوظبي ودبي بالإمارات. وفقًا لوزيرة الثقافة والشباب ورئيسة جامعة زايد، نورة الكعبي، تهدف اتفاقية جامعة زايد-مينيرفا إلى تزويد الطلبة بمهارات “مستدامة” و”مواكبة للمستقبل” وتتناسب مع سوق العمل سريع التطور، من خلال تطبيق منهج بيني متعدد التخصصات. ومع ذلك، فقد جاء الكثير من الصخب والإثارة على هذا التعاون من قيادات جامعة زايد ومينيرفا، الأمر الذي أوقع العديد من الطلبة الحاليين والخريجين وأعضاء هيئة التدريس في جامعة زايد في حالة من التوجس من التغييرات المؤسساتية المقبلة.
تعاون مؤسسي جديد
تم تأسيس مشروع مينيرفا عام 2011 في سان فرانسيسكو على يد بين نيلسون (Ben Nelson)، ويعد مشروعًا مبتكرًا في مجال تكنولوجيا التعليم يقوم بإنشاء الأدوات التربوية، مثل برنامج بيئة تعلّم “فورم بيئة التعلّم ” (Forum Learning Environment)، وتصميم مناهج دراسية مخصصة. أنشأ مشروع مينيرفا كلية عبر شبكة الإنترنت انطلاقًا من معهد كيك للدراسات العليا (Keck Graduate Institute) في كاليفورنيا في عام 2013. وتم مؤخرًا اعتماد كليات مينيرفا في معهد كيك، وتحولت إلى جامعة مينيرفا في أغسطس/آب. وتتميز الجامعهة بعملية قبول أكثر انتقائية، على الأقل من الناحية العددية، من جامعات رابطة آيفي لييج (Ivy League) – حيث تم قبول 2٪ فقط من أصل 25,000 طلب تم استلامها في عام 2020 – يهدف برنامج مينيرفا إلى تغيير التعليم العالي من خلال التركيز على المناقشات داخل الفصول الدراسية والمشاريع التعاونية، والانخراط مع الشركات المحلية والمبادرات المجتمعية. يحضر الطلبة الفصول الدراسية الافتراضية، في فورم بيئة التعلّم، بينما يعيشون في مباني مينيرفا السكنية داخل مدن في جميع أنحاء العالم، من تايبيه وسول وحيدر أباد، إلى لندن وسان فرانسيسكو وبوينس آيرس.
تعد جامعة زايد، القاعدة الرئيسية لمينيرفا في الخليج، واحدة من أكبر الجامعات الحكومية في الإمارات. تأسست الجامعة في عام 1998، ككلية للنساء، على يد زايد بن سلطان آل نهيان، الحاكم المؤسس لدولة الإمارات، وهي معتمدة من قبل لجنة الولايات المركزية للتعليم العالي في الولايات المتحدة. وتقدم جامعة زايد حاليًا 26 برنامجًا لدرجة البكالوريوس والدراسات العليا، وتخطط لإلغاء العديد منها على مدى السنوات الخمس المقبلة، حيث تعتمد تدريجيًا نهج مينيرفا التربوي. بحلول عام 2026، تأمل جامعة زايد-مينيرفا أن تكون قد تبنت بالكامل مناهج مقسمة إلى “طرق تفكير“، بدلاً من التخصصات، في كليتها الجديدة للدراسات البينية متعددة التخصصات، والتي يترأسها العميد ريتشارد هولمان (Richard Holman).
تقدم المرحلة الأولى من تعاون جامعة زايد-مينيرفا ثلاثة من برامج البكالوريوس متعددة التخصصات، تحوّل الأعمال ونُظم الحوسبة والابتكار الاجتماعي. تستمد هذه البرامج موادها الدراسية من مجالات مختلفة، تشمل علم النفس والعلوم السياسية والتجارة والأعمال، وذلك لكي يتعلم الطلبة المهارات اللازمة للنجاح في عالم يزداد فيه الطلب بشكل كبير على التفكير النقدي والإبداع والقيادة. كما هو الحال في جامعة مينيرفا، يتم تدريس الفصول في جامعة زايد-مينيرفا افتراضيًا عبر برنامج فورم بيئة التعلّم، مع توفير سبل الراحة والمساحات في جامعة زايد، وإتاحتها للطلبة على مدار الساعة. في أغسطس/آب، استقبل التعاون أول فوج له مرحبًا بـ 125 طالبًا.
المبادرة تواجه انتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي
أثار تعاون جامعة زايد-مينيرفا انتقادات كثيرة من المجتمع الإماراتي، مؤخرًا، على موقع تويتر باللغتين الإنجليزية والعربية تحت هاشتاج “save_zayed_university” أو (أنقذوا_جامعة_زايد). أعرب عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي الذي يتابعه 265 ألف متابع على تويتر، عن استيائه من تحول جامعة وطنية إلى “متاهات تجريبية” من خلال “منصة تجارية أجنبية”. وعلى نحو مشابه، عبّر سامي الريامي، رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم، عن انتقاده لخطوة جامعة زايد في تطبيق نظام أكاديمي غير تقليدي في جامعة إماراتية مرموقة، مجادلاً، كما هو الحال مع عبد الله، بأن مثل هذه المؤسسة ليست مكانًا للتجارب التربوية. قبل أسبوع واحد فقط من نشر تغريداتهما، تم طرح استطلاع أجرته صحيفة ذا ناشنال ((The National وبرعاية جامعة زايد في سؤالٍ، “هل يتقبل أصدقاؤك وعائلتك درجة جامعية غير تقليدية كمؤشر على النجاح؟” من بين أكثر من 14200 صوت تم الحصول عليها، أجاب 86٪ من الأصوات بـ “لا”. بالتزامن مع إعلان الإمارات مؤخرًا عن المزايا والدعم المادي لإخراج المزيد من المواطنين من البطالة أو من القطاع العام إلى وظائف في القطاع الخاص، أعرب أفراد آخرون على تويتر عن مخاوفهم من أن مثل هذا البرنامج لن يوفر المهارات اللازمة لتعزيز استعداد القطاع الخاص بين الخريجين الإماراتيين.
ثمة حالة من عدم الارتياح، متجذرة في مخاوف العديد من أفراد مجتمع جامعة زايد، تتعلق بالفشل المحتمل من إصلاح البرامج الأكاديمية التقليدية واستبدالها بنموذج افتراضي يحركه الطلبة. أوضح أحد أساتذة جامعة زايد الحاليين، في مقابلة أجراها معه معهد دول الخليج العربية في واشنطن، واشترط عدم الكشف عن هويته بسبب قواعد السرية في عقد العمل، أنه أثناء التدريس الافتراضي خلال جائحة كورونا، “اختفت مشاركة الطلبة”. ثم أردف أستاذ جامعة زايد قائلاً، إنه نظرًا للقيود المختلفة التي يواجهها الطلبة في تشغيل الفيديو والصوت في محيط منازلهم، سواء في جامعة زايد أو الجامعات في جميع أنحاء العالم، “سيكون من الصعب على منصة تعمل فقط عبر الإنترنت، مثل مينيرفا إجبار الطلبة على المشاركة، والالتزام بالمسار الصحيح كمتعلمين مستقلين، وأن يمتلكوا المهارات الجاهزة (بالدخول إلى برنامجهم) التي تتيح لهم الخوض في التعلم متعدد التخصصات”. في مقال نُشر في يوليو/تموز 2020 في الجارديان، انتقدت أليسون ليتلجون (Allison Littlejohn)، أستاذة تكنولوجيا التعلم في جامعة لندن كوليدج (University College London)، منصة مينيرفا الافتراضية لمخاوف تتعلق بـ “الخصوصية والمراقبة” وكيفية مراقبة الطلاب على المنصة، وكيفية جمع بياناتهم.
رداً على فيض التغريدات في هذا الشأن، غردت جامعة زايد حول ما اعتبرته “معلومات خاطئة” بشأن طريقة الاعتماد في البرنامج من خلال القول، “نود أن نؤكد لجميع طلبتنا ومجتمعنا أن جامعة زايد كانت وستبقى دائمًا ملتزمة بقوانين ولوائح مؤسسات الاعتماد المحلية في وزارة التربية والتعليم”. كما غردت وزارة التربية والتعليم الإماراتية ردًا على ذلك بأن “التخصصات والكليات الجديدة اختيارية للطلاب الراغبين”، وأن “الكليات والتخصصات الحالية قائمة”. وليس من الواضح ما إذا كانت الوزارة تعني أن البرامج ستبقى فقط للفوج الحالي من الطلبة، لأن التقارير الأولية أشارت إلى أنه سيتم إلغاؤها تدريجيًا. وفي قمة الاقتصادات الناشئة، التي عقدتها مؤسسة تايمز للتعليم العالي في شهر أكتوبر/تشرين الأول ، واستضافتها دبي بالاشتراك مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، دافع بين نيلسون (Ben Nelson) عن نموذج مينيرفا، مؤكدًا أن العلماء المحليين وقادة التعليم سيشاركون بفاعلية في تطوير عروض البرامج المصممة خصيصًا لطلبة الإمارات وسوق العمل المحلي، وأضاف نيلسون أن التكهنات عبر الإنترنت كانت مجرد “شائعات من أساتذة غير مشاركين في البرنامج”.
تساؤلات حول مدى جاهزية الطلبة للتعليم متعدد التخصصات
تدعي جامعة زايد أنه سيتم تدريب أعضاء هيئة التدريس الحاليين على الأساليب التعليمية لمينيرفا. ومع ذلك، قال أستاذ جامعة زايد الذي تحدث إلى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، “لا أعرف أن أيًا من أعضاء هيئة التدريس في جامعة زايد يقوم بالتدريس في كل من جامعة زايد ومينيرفا. لقد تمت دعوة أعضاء هيئة التدريس بجامعة زايد للتقدم إلى مشروع مينيرفا في جامعة زايد، لكننا لم نتلقَّ أبدًا تفاصيل حول عروض الدورات، أو الأدوات التربوية، أو أي عرض تقديمي حول الشكل الذي ستبدو عليه محاكاة تعليم مينيرفا، لذلك أنا عن نفسي، ليس لدي أدنى فكرة عما ستبدو عليه التجربة داخل الفصول الدراسية في مينيرفا”. كما أشار هذا الأستاذ أيضًا إلى أن طرق التدريس متعددة التخصصات “ربما تكون أكثر فائدة في الدراسات العليا أو في المؤسسات متعددة التقنيات” وليس في “جامعة عامة تهدف إلى تزويد الطلبة بالتعليم العام واسع النطاق والمهارات الأكاديمية”. في مقال الجارديان، المذكور أعلاه، أوضح المستشار التعليمي البريطاني نيك هيلمان (Nick Hillman) أنه “من الأسهل بكثير تقديم تعليم ممتاز للأشخاص الذين يتمتعون مسبقًا بمؤهلات عالية”. وعلى نفس المنوال، يعتقد الأستاذ في جامعة زايد أن نموذج مينيرفا “مناسب لطالب مشارك ومنظم، يتمتع بالمبادرة الذاتية والقدرات التنافسية العالية”، التي يرى الأستاذ بأنها ليست من السمات التي يتم صقلها وتعزيزها من خلال نظام التعليم الثانوي والجامعي المحلي.
كما تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن إلى مها الشمالي، وهي طالبة إماراتية مسجلة حاليًا في برنامج جامعة زايد-مينيرفا. أعربت مها، التي تسعى للحصول على درجة البكالوريوس في الابتكار الاجتماعي، عن ترددها في البداية في تغيير طلبها في جامعة زايد من مساق في العلاقات الدولية إلى برنامج تدرسّه مينيرفا. وقالت، “لا شك أنني كنت متحمسة، ولكن متخوفة أيضًا، لأن الأمر كان يبدو وكأنه يختلف جذريًا عن الطريقة التقليدية في التعلم التي اعتدت عليها، وبدا وكأنه برنامج صعب وبعيد عن المجال الذي أرتاح له. أعتقد أنني انطوائية، لذلك كان التقدم لبرنامج يعتمد على المناقشة والمشاركة النشطة، والعمل مع الشركات الخارجية يبدو كأنه تحدٍ كبير. ومن المفارقات، أن جوانب البرنامج التي جعلتني مترددة في التقدم كانت هي نفسها الأسباب التي تقدمت لها في نهاية المطاف”.
وتضيف مها، “بصفتي امرأة ترغب في العمل في حكومة الإمارات كسفيرة، وتمكين النساء الإماراتيات الأخريات من هذا المجال، فإن التواصل والثقة والقدرة على العمل تحت الضغط، ومواجهة مختلف التحديات هي من المهارات الضرورية التي أتمنى تطويرها في جامعة زايد-مينيرفا من خلال العمل مع الطلبة والشركات الدولية في كل فصل دراسي”. ولدى سؤالها عن أكثر ما تصبو إليه في تجربتها الجامعية، أوضحت مها، “من خلال حصولي على فرصة للعمل مع الشركات التي لها علاقة بتخصصي ومجال اهتمامي، سأتخرج بخبرات مهنية تساعدني في العثور بسهولة على وظيفة بعد التخرج. وهذه تعد مسألة كبيرة بالنسبة للإماراتيين في دولة الإمارات حيث يتخرج عدد لا يُحصى من الطلبة، ولا يتمكنون من العثور على وظائف لعدم أهليتهم، أو لافتقارهم للخبرة والمهارات اللازمة، أو لأنهم تقدموا لوظائف أصبحت مشبعة بالمتقدمين”.
فرصٌ لإصلاح تعليمي أوسع
ومع ذلك، فإن جامعة زايد ليست الجامعة الأولى في الإمارات التي تطبق نموذجًا تربويًا متعدد التخصصات. فهي ستنضم إلى جامعة نيويورك أبوظبي، وهي جامعة قدمت الكثير من التخصصات الأساسية والفرعية المتعددة منذ افتتاحها قبل ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان. على الرغم من أن برنامجها للفنون الحرة (liberal arts program)، على غرار برنامج جامعة زايد، لم يتخلص من المساقات التدريبية التقليدية القائمة على المحاضرات، إلا أنه يشجع الطلبة على أخذ مساقات من تخصصات أخرى من ضمن المتطلبات مناهجها الأساسي. ونظرًا لأن أكثر من 95٪ من خريجي جامعة نيويورك أبوظبي، البالغ عددهم 1600 خريج، قد حصلوا على فرص عمل أو دراسات عليا فور التخرج أو بعده بوقت قصير، فإن نجاح النهج التربوي البيني متعدد التخصصات في السياق الأكاديمي الإماراتي ليس بالأمر غير المسبوق.
تشير المخاوف التي أعرب عنها أفراد المجتمع، وأصحاب الشأن الجامعي، وأعضاء هيئة التدريس والطلبة بخصوص جدوى نموذج مينيرفا في إحدى الجامعات الإماراتية إلى الاعتقاد بوجود فجوة بين المهارات التي يتم تدريسها في المرحلة الثانوية في الإمارات والمهارات المطلوبة للنجاح في برنامج على غرار نمط مينيرفا، بالإضافة إلى وجود فجوة بين المهارات المكتسبة في برامج البكالوريوس الإماراتية والفرص المهنية التي يسعى إليها الخريجون. يعتقد أولئك الذين عبروا عن رأيهم في التعاون، أنه لكي يتمكن نموذج مينيرفا من تقديم إطار مناسب لاحتياجات طلبة الجامعات الإماراتيين، سيتعين على المخططين التربويين في الإمارات العمل مع المؤسسات التعليمية على المستوى الثانوي أولاً لتعزيز الأداء الأكاديمي للطلبة بشكل عام، وإعداد طلبة المدارس الثانوية الإماراتية للنجاح في بيئة جامعية متداخلة التخصصات والمنافسة في سوق العمل الإماراتي، وهي الخطوات التي تقوم بها الهيئات الحكومية المحلية بشكل بطيء.