من شأن اتفاقية التكامل الأمني الشامل والازدهار (C-SIPA)، التي تم التوقيع عليها في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول من قبل ولي عهد البحرين ورئيس الوزراء سلمان بن حمد آل خليفة ووزير الخارجية أنتوني بلينكن في وزارة الخارجية الأمريكية، تعضيد التعاون الأمني بين البحرين والولايات المتحدة, واضفاء الطابع الرسمي عليه. وفي حين أن اتفاقية سي سيبا (C-SIPA) لا تتضمن أي ضمانات دفاع مشترك، مثل تلك المنصوص عليها في المادة الخامسة من اتفاقية حلف الناتو، إلا أنها تقترب كثيرًا من مستوى مثل هذه الالتزامات، وهذا ما عززه مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية حين أوضحوا على خلفية ذلك أن الاتفاقية تعد اتفاقًا ملزمًا قانونيًا، وسيتم إخطار الكونجرس بذلك. ويعد هذا الإخطار خطوة رسمية لا تتطلب المصادقة عليها لتدخل حيز التنفيذ، لأن الاتفاق “لا يعتبر معاهدة”.
تبدأ الوثيقة المقتضبة المكونة من 1600 كلمة تقريبًا بتحديد سقف الطموحات المرجوة منها: المساعدة في دعم “بنية أمنية إقليمية متكاملة تمامًا” في الشرق الأوسط؛ وتوسيع التعاون بين الطرفين في مجالات الأمن والتجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا، و”تعزيز الردع المشترك ضد التهديدات الخارجية”. كما أشارت مقدمة الوثيقة إلى اتفاقيات إبراهام مع التأكيد على أن اتفاقية سي سيبا شيء “مختلف” عن تلك الاتفاقيات. وفي حين يقتصر الاتفاق على الإشارة إلى احترام غايات ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، أوضح بيان الحقائق الصادر عن البيت الأبيض، بالإضافة إلى تصريحات بلينكن العلنية، أن قضية حقوق الإنسان تظل أولوية أمريكية، وستستمر كجزء منتظم في الحوار الاستراتيجي مع البحرين.
وينصب التركيز في الاتفاقية، خاصة في المادة الثانية، على الردع والتنسيق والتشاور في حالة وجود أي تهديد خارجي، والحد من التصعيد توازيًا مع تعزيز القدرات الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية. كما شدد البيت الأبيض أيضًا على أن اتفاقية “سي سيبا ستساعد في إضفاء الطابع الرسمي على الخطوات التي تتخذها القيادة المركزية الأمريكية لدمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي في المنطقة وزيادة الوعي بالمجال البحري”. وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوات، فمن المرجح أن تبقى صعبة، نظرًا لقوة التعاون الأمني الثنائي التقليدي مع الولايات المتحدة مقابل ضعف التعاون الدفاعي مع مختلف دول الخليج العربية.
إيران
ولم يُشر الاتفاق ولا بيان الحقائق الصادر عن البيت الأبيض إلى إيران تحديدًا. لقد ذكر المسؤول رفيع المستوى الذي تحدث – على خلفية ذلك الاتفاق – إيران في عدة نقاط، مؤكدًا أن الاتفاق لم يكن “موجهًا ضد” إيران، ولكنه أوضح أن المقصود هو المساعدة في ردع “التهديدات من إيران”، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران “وميول وطبيعة الإيرانيين العدوانية”. كما أقر المسؤول كذلك باستعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية مؤخرًا في إشارة إلى الأهمية المستمرة للدبلوماسية كجزء من هذا التعاون الأمني.
القيام بخطوة جديدة لردع الخصوم”
لقد قام بعض المحللين والمنابر الإعلامية بتدقيق اللغة الواردة في صياغة المادة الثانية، زاعمين أنها لا ترقى إلى مستوى الالتزام القوي بالدفاع المشترك، مقللين من أهميتها لدرجة اعتبارها مجرد إضفاء للطابع الرسمي على الالتزامات الأمنية القائمة. يأتي هذا الجزء من المادة الثانية، الذي يوضح التزامات الولايات المتحدة، ضمن اللغة الرسمية للالتزامات المشتركة والإشارات المنمقة إلى الأطراف: “تتمثل سياسة الأطراف [الاتفاقية) في العمل معًا للمساعدة في ردع ومواجهة أي عدوان خارجي”. وتنص أيضًا على أن الجانبين “ينبغي… عليهما القيام بوضع ردود دفاعية ورادعة مناسبة وتنفيذها… بما في ذلك في المجالات الاقتصادية والعسكرية و/أو السياسية”. وقد دافع أحد المشاركين البحرينيين الرئيسيين في المناقشات وزيارة ولي العهد، وربما للرد على المشككين، أن الاتفاقية تكرس خطوة “جديدة وقوية” لردع الخصوم المحتملين.
ربما لا تكون في الاتفاقية أي عبارات محددة حول الالتزام الأمني أكثر أهمية من سلسلة الإشارات، المُصاغة بإحكام في جميع أجزاء الوثيقة، إلى نية الولايات المتحدة العمل مع البحرين لتقوية دفاعاتها وقدراتها الأمنية، وتحسين قابلية التشغيل المتبادل، وتعزيز قدرات الردع، بما في ذلك القدرات الجوية والبحرية. كما أن هذه الاتفاقية تعد تذكيرًا مهمًا بتاريخ طويل من التعاون الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والبحرين، في إشارة إلى “الشراكة الأمنية الأمريكية مع القوات العسكرية البحرينية التي امتدت على مدى عقود”. كما يذكرنا الاتفاق، الذي وُضع إلى جانب “بيان حقائق البيت الأبيض “وموجز المعلومات الأساسية”، بعدد المرات التي قادت فيها البحرين على مدى السنوات الـ 75 الماضية طريق التعاون الأمني الخليجي (والاقتصادي كذلك) مع الولايات المتحدة، بما في ذلك:
- البحرين أول من استضاف مقر القوات البحرية الأمريكية في المنطقة اعتبارًا من عام 1948 (تستضيف البحرين حاليًا القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية والأسطول الخامس، مع نحو 9000 موظف عسكري ومدني أمريكي).
- أول من وقع على اتفاقية وضع القوات في عام 1971.
- أول دولة خليجية تتسلم طائرات إف-16 في عام 1990، وأول من يتسلم الجيل الجديد من طائرات إف-16 بلوك 70 في مارس/آذار.
- أول دولة خليجية تحصل على صفة الحليف الرئيسي من خارج الناتو في عام 2002.
- أول دولة خليجية تدخل في شراكة مع البحرية الأمريكية في دمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي لترسيخ الوعي الأمثل بالمجال البحري في مياه الخليج.
ولربما يكون هذا التاريخ الطويل من التعاون الثنائي وقائمة الأوائل في التطورات الأمنية الخليجية أكثر فاعلية في توضيح التزامات الولايات المتحدة الطويلة الأمد والمتواصلة بأمن البحرين من أي صياغة خاصة في ميثاق أمني.
دول خليجية أخرى تسعى للحصول على التزامات أمنية من الولايات المتحدة
يؤكد نص الاتفاقية، والأطراف الرئيسية الموقعة عليها، وكبار المسؤولين الأمريكيين والبحرينيين، الطموح بأن تمثل الاتفاقية نموذجًا لترتيبات أمنية متطورة مع الولايات المتحدة تستطيع أن تنضم إليها دول أخرى في الخليج أو الشرق الأوسط الأوسع. وقد أعرب محللون وصحفيون عن شكوكهم في أن تكتفي السعودية أو الإمارات، اللتان تسعيان كذلك للحصول على مجموعة ملزمة من التعهدات الأمنية الأمريكية، باتفاقية على غرار سي سيبا. ويُذكر أن السعوديين، الذين يستغلون احتمالية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يطالبون بالتزام دفاعي مشترك بشروط أقرب إلى المادة الخامسة في معاهدة حلف الناتو. وأفصح الإماراتيون كذلك عن رغبتهم في الحصول على التزامات أمريكية “مدوّنة ولا لبس فيها” تجاه أمن البلاد.
تشير كل هذه الجهود إلى وجود ديناميكيات أوسع تتطور منذ فترة طويلة في الخليج، لكنها أصبحت أقل ظهورًا للعلن في السنوات الأخيرة، حيث بدأت وجهات النظر الجيواستراتيجية الخليجية تشدد على حقيقة عالم متعدد الأقطاب، والحاجة إلى التنويع الاستراتيجي بعيدًا عن الاعتماد فقط على التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج واستقراره، والذي أصبح يُنظر إليه على أنه متذبذب ومتقلب. وقد أدى منحنى القوة الاقتصادية الصينية التصاعدي الحاد على مدى العقد الماضي، جنبًا إلى جنب مع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط ومكانتها التي دعمها تدخلها في سوريا عام 2015، وعضويتها المحورية في تحالف أوبك بلس، إلى تعزيز هذا التركيز على التحوط الاستراتيجي الخليجي. وقد كفلت هذه التطورات مؤخرًا للصين وروسيا تحقيق بعض التقدم في تعزيز علاقاتهما مع الخليج. كما أن هذه التطورات قد أدت إلى اضطراب العلاقات الأمنية الأمريكية طويلة الأمد – والتي لا تزال حاسمة – مع دول الخليج العربية. علاوة على أن التقدم المهم، ولكن المحدود، الذي حققته كل من الصين وروسيا يؤكد على الأبعاد الهائلة نسبيًا للنفوذ الأمني للولايات المتحدة ومكانتها العسكرية في الخليج عند مقارنتها بالنطاق المتواضع للجهود الأمنية الصينية والروسية. كما تساعد الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والبحرين، والجهود الثنائية المتواصلة لتطوير الالتزامات الأمنية للإمارات والسعودية، في توضيح مدى احتداد خطاب خسارة الولايات المتحدة لمصالحها الاستراتيجية في الخليج.
ولا يزال هذا المجال يزخر بالأسئلة الصعبة. وسوف تأخذ المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين في الخليج – وفي أماكن أخرى – مداها في العقود القادمة، وهو ما سيحدث مع مخاوف الولايات المتحدة بشأن احتمالية حصول الصين على التكنولوجيا الأمريكية الحساسة. وسوف تستمر دول الخليج في تدقيق بيانات السياسة الأمريكية بعناية، وعملية صنع القرار في الكونجرس والإشارات المرسلة، والمزاج السياسي العام في الولايات المتحدة، للتأكد من أن هذه القراءات حول التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج لا تزال متينة. بالنسبة للوقت الحالي، كما هو الحال في كثير من الأحيان في السابق، تحتل البحرين المركز الأول، وتقدم دليلاً جديدًا على أن هذه الالتزامات لا تزال قوية.