تركيز الولايات المتحدة على التكامل والشراكات الإقليمية
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
وقع زعماء إثيوبيا وإريتريا في التاسع من تموز/ يوليو، معاهدة سلام تاريخية ومجموعة من الاتفاقات التجارية والأمنية منهين بذلك صراعًا طال أمده وكان بمثابة انقسام اقليمي رئيسي يزعزع استقرار القرن الأفريقي.
ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرعوقع زعماء إثيوبيا وإريتريا في التاسع من تموز/ يوليو، معاهدة سلام تاريخية ومجموعة من الاتفاقات التجارية والأمنية منهين بذلك صراعًا طال أمده وكان بمثابة انقسام اقليمي رئيسي يزعزع استقرار القرن الأفريقي. وكانت هذه الرحلة التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق إلى أسمرة، عاصمة إريتريا، من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد، آبي أحمد، قد جاءت تتويجًا لشهر من الدوامة الدبلوماسية في المنطقة من قبل آبي البالغ من العمر 41 عامًا. وقد مهدت مبادرته المسرح لإعادة ترتيب مزلزلة يمكن أن تجلب البلدان المنقسمة في المنطقة إلى المواءمة الإستراتيجية والاقتصادية للمرة الأولى. وسيتم الشعور بالآثار المترتبة على ذلك عبر القرن الأفريقي ومنطقة شرق أفريقيا على نطاق أوسع، وحتى في دول الخليج العربية. في الوقت نفسه، ومنذ أن تولى السلطة في نيسان/ أبريل، أشرف آبي على أجندة محلية أكثر ثورية، داعيًا أحزاب المعارضة للانضمام إلى العملية السياسية، وشطب المجموعات الإرهابية، والاعتذار عن اضطهاد الدولة، والتعهد بتحرير قطاعات اقتصادية تتحكم بها الدولة.
الخـلـفـيـة
في عام 1991، ومع عدم تمكن الاتحاد السوفييتي من تقديم الدعم، أُطيح بنظام ديرغ الدكتاتوري العسكري الماركسي اللينيني في إثيوبيا من قبل ائتلاف من الجماعات المتمردة بقيادة جبهة تحرير شعب تيغراي. وقد تحالف المتمردون الإثيوبيون وكانوا أنفسهم ماركسيين لينينيين مع جماعة إريترية متمردة للتغلب على النظام الديكتاتوري. ولكن الإريتريين سرعان ما أعلنوا الاستقلال، ودعم كل من البلدين مليشيات موالية ضد بعضها بعضًا، ثم خاضوا حربًا داميةً من 1998-2000 على قرية حدودية متنازع عليها. وقد كانوا في حالة من الصراع المجمد منذ ذلك الحين، مع رفض إثيوبيا احترام اتفاقية بوساطة الأمم المتحدة للتنازل عن بلدة بادمي لإريتريا.
لقد ساعدت هذه الفترة من الحرب “الباردة” إثيوبيا على تعزيز الهوية الوطنية العرقية، إلى حد ما، في حين استخدمها نظام الزعيم المتمرد السابق، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لتبرير حكمه القمعي والعسكري. في هذه الأثناء، أصبحت الدولة الإثيوبية حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة وأوروبا في الحرب على الإرهاب، واستفادت ببراعة من مساعدات المانحين الغربيين والاستثمارات الأجنبية والقروض من الصين لتنمية اقتصادها القائم على الزراعة بسرعة مضاعفة. حققت البنية التحتية والمشاريع التعليمية مكاسب كبيرة لسكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة. ولكنها خلقت أيضًا أزمة في العملات الأجنبية، ما أدى إلى توتر العلاقة مع الصين بشأن القروض غير المسددة والمشروعات غير المكتملة، وخنق القطاع الخاص الذي يأملون أن يعمل على تصنيع الاقتصاد من خلال استخراج رأس المال من النظام المالي لتمويل المشاريع التنموية، وإثراء النُخب، وحرمان القطاع الخاص من مصادر التمويل.
الأهم من ذلك، أن النمو الاقتصادي أدى إلى تفاقم عدم المساواة وأوجد الاستياء، خاصة بين أكبر مجموعة عرقية، الأورومو. في عام 2015، اندلعت حركة احتجاج واسعة النطاق في منطقة الأورومو حول قضايا حقوق الأراضي واستمرت حتى أوائل عام 2018، عندما قدم سلف آبي، هيلامريام دسالين استقالته. منذ توليه منصبه، ذهب آبي إلى ما هو أبعد مما توقعه المراقبون وهو ما رحب به الشباب الإثيوبي بحماس كبير. حتى الآن، يبدو أن مشروعه الإصلاحي الثوري يتقدم بنجاح، على الرغم من أن إحدى علامات الانشقاق الخطيرة تمثلت في هجوم بالقنابل اليدوية استهدف آبي خلال خطابه لمئات الآلاف من أنصاره في تجمع حاشد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 23 حزيران/ يونيو. وقد تم القبض على العشرات من الشرطة والمسؤولين الحكوميين لعلاقتهم بالهجوم.
التقارب الإثيوبي- الإماراتي
وفي حين أن التناقضات الهيكلية في الاقتصاد السياسي الإثيوبي تعتبر جوهرية لفهم التطورات الحالية، فمن الممكن أنها أيضا لم تكن ممكنة الحدوث لولا الدعم الدبلوماسي الرئيسي من لاعب جديد في القرن الأفريقي- الإمارات العربية المتحدة. خلال الحرب الباردة وعبر التسعينيات، كانت علاقات إثيوبيا سيئة مع دول الخليج، حيث كان قادة إثيوبيا يرون أنها تدعم مصر وإريتريا والسودان والصومال ضدها. لكن مع تحول ميزان القوى في الشرق الأوسط لصالح الخليج، ولأن دول الخليج العربية بدأت تنظر عن كثب إلى القرن الأفريقي كمفتاح للأمن الغذائي ولمصالحها الإستراتيجية على نطاق أوسع، فقد تعززت العلاقات ببطء.
بدأت الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا بتقارب دبلوماسي مبدئي على أساس المصالح الاقتصادية المشتركة في عام 2013، قبل انخفاض أسعار النفط. في حالة إريتريا، عندما تم طرد الجيش الإماراتي من جيبوتي في بداية التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن عام 2015، سارعت أبو ظبي إلى التقارب مع الحكومة في أسمرة من أجل الوصول إلى ميناء عصب. وحتى ذلك الحين، كانت إريتريا مُقَربة من إيران، وتتلقى المساعدات وتسمح للبحرية الإيرانية باستخدام عصب. كما كانت لإريتريا علاقات جيدة مع قطر التي أبقت على وجود قوات لها على طول الحدود المتنازع عليها بين جيبوتي وإريتريا إلى أن انحازت إريتريا إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في نزاعهما مع قطر. قامت إريتريا بقطع علاقاتها مع إيران ووافقت على السماح لدولة الإمارات العربية المتحدة ببناء منشآت عسكرية عبر باب المندب جنوب غرب الساحل اليمني. كان لهذه القواعد هناك دور حاسم في قدرة الإمارات على تنفيذ عمليات عسكرية في جنوب اليمن، بما في ذلك الهجوم البرمائي لاستعادة عدن من قوات الحوثي في آب/ أغسطس 2015. في المقابل، وحسب الخبراء، ساعدت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في تحديث شبكة الطاقة وقدمت مساعدات عينية من النفط، من بين مساعدات أخرى. وبالنسبة للجنة خبراء الأمم المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على الصومال وإريتريا، نشرت إريتريا حوالي 400 جندي إلى اليمن كجزء من قوات التحالف. وقد أدت علاقات إريتريا الناشئة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية –وهي ما تظهر وكأنها حبل النجاة الذي يوفر لها الانفراج من عزلتها الدولية- إلى إثارة رد فعل مخيف في أديس أبابا.
سافر المسؤولون الإثيوبيون إلى أبو ظبي لإجراء محادثات في أواخر عام 2015. كان تبادل المحادثات شاقًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الإثيوبيين شعروا بالازدراء بسبب نهج نظرائهم الإماراتيين في التعامل والتكتيك، وفقًا لمسؤول غربي سابق. ومهما كان منحنى التعلم لكلا الجانبين، يبدو أن حكومة أبو ظبي وحكومة هيلامريام سرعان ما توصلتا إلى طريقة مؤقتة تعمل وتوجه العلاقة من خلال بناء الثقة إلى شراكة استراتيجية متنامية. وتم التوصل إلى تفاهم حول علاقة الإمارات مع إريتريا عدوة إثيوبيا، بالإضافة إلى علاقات أبو ظبي الوثيقة بالقاهرة. كانت مصر وإثيوبيا في نزاع حاد حول حقوق المياه وبناء إثيوبيا للسد النهري، سد النهضة الإثيوبي الكبير. فيما يتعلق بمجال نفوذ إثيوبيا في القرن الأفريقي، فإن دولة الإمارات لن تحرض على أي جهود محتملة من قبل مصر للإطاحة بإثيوبيا، وفقا لمصدر مقرب من مسؤولي الأمن الإثيوبيين.
سرعان ما تطور هذا التعاون الأولي إلى شكل أكثر استراتيجيةً. لقد حاولت إثيوبيا على مدى عقد من الزمن على الأقل العثور على شريك دولي لتطوير ميناء بربرة في صوماليلاند إلى مرفق قادر على التعامل مع كميات كبيرة من البضائع، وبالتالي تقليل الاعتماد شبه الكامل لإثيوبيا غير الساحلية على ميناء جيبوتي لأغراض التجارة. وفقا لعلماء في جامعة خليفة في أبو ظبي، عملت إثيوبيا لتوجيه الاهتمام الإماراتي في تطوير بربرة من خلال عرض ضمان كميات التجارة واستخدام الميناء في نهاية المطاف في 30% من تجارتها. بالإضافة إلى محادثات ميناء بربرة، بدأت أبو ظبي مباحثات مع “صوماليلاند” لتجديد مهبط الطائرات السوفييتية سابقًا، والأمريكية لاحقًا، بالقرب من المدينة الساحلية وبناء قاعدة بحرية. وقد تكهن العديد من المحللين بأن إثيوبيا دعمت إقامة قاعدة عسكرية إماراتية في بربرة من أجل التقليل من أهمية عصب. في الواقع، طلبت إثيوبيا من الإمارات البقاء في عصب حتى لا تتمكن إريتريا من تقديم القواعد الخالية لمصر، وفقًا لمصدر مقرب من المسؤولين الإثيوبيين. وقعت إثيوبيا اتفاقية مع صوماليلاند في شباط/ فبراير 2015 لتطوير ميناء بربرة، وذلك قبل شهر من بدء أحد أفرع شركة موانئ دبي العالمية (DP World) مباحثاتها مع الحكومة في هرغيسا عاصمة صوماليلاند وتم الانتهاء منها في أيار/ مايو 2016 بتوقيع اتفاقية بقيمة 442 مليون دولار لتطوير الميناء وبعض القوى البشرية والبنية التحتية ذات الصلة. وبعد عام من ذلك، حصلت إثيوبيا على حصة بـ 19 في المئة من الميناء ووافقت على إنفاق 80 مليون دولار، على شكل مساهمات عينية أو نقدية، لتطوير البنية التحتية التي تربطها مع حدودها، وفقًا لمسؤولي صوماليلاند. وقد استفاد التشجيع الإثيوبي لإشراك الإمارات في تطوير بربرة من النزاع القانوني بين شركة موانئ دبي العالمية وجيبوتي بسبب امتيازها لعام 2006 لتشغيل أكبر محطة حاويات هناك، والذي بلغ ذروته باستيلاء جيبوتي على المحطة من موانئ دبي العالمية في شباط/ فبراير.
لا يزال هناك غضب في أبو ظبي من تحركات جيبوتي ضدها- والعكس صحيح. تزامن العداء المتبادل مع تزايد الإحباط في واشنطن حول علاقة جيبوتي المتزايدة مع الصين، التي بنت قاعدة عسكرية ومنشأة بحرية بالقرب من قاعدة معسكر ليمونير الأمريكية. قد تقوم شركة صينية أيضًا بالاستيلاء على محطة حاويات “دوراليه” التي تم الاستيلاء عليها من “موانئ دبي العالمية”، وتقوم بكين بتقديم القروض وتعزيز علاقاتها مع الدولة ذات الموقع الاستراتيجي، بما في ذلك إقامة أربعة موانئ جديدة. أعلن الجيش الأمريكي تحركًا بعيدًا عن عمليات مكافحة الإرهاب في أفريقيا ونحو منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا، وقد يوفر الساحل الإريتري بديلاً جذابًا أو إضافيًّا عن جيبوتي. وقال مسؤول أمريكي إن منافسة القوى العظمى في القرن الأفريقي يجب أن توفر أيضًا مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة، وليس فقط مواجهة النفوذ الصيني لمجرد المواجهة، على الرغم من أن القطاع الخاص الأمريكي يتخلف كثيرًا عن الشركات الخاصة الصينية والشرق أوسطية المدعومة حكوميًا وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في شرق أفريقيا. وقد تعمل الإصلاحات الاقتصادية الإثيوبية والرغبة في إقامة شراكة مع مشغلي الموانئ الدوليين لتطوير بدائل لجيبوتي وزيادة التجارة على توفير المبررات الاقتصادية اللازمة. يمكن أن يؤدي التطبيع بين إثيوبيا وإريتريا إلى تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والأمن في وقت تريد فيه واشنطن من شركائها تحمل المزيد من العبء، بصرف النظر عن انخراط المسؤولين الأمريكيين في الدبلوماسية بين إثيوبيا وإريتريا منذ كانون الثاني/ يناير على الأقل، قبل تولي آبي منصبه، وفقا لخبير في السياسة الأفريقية ولمحللين من القرن الأفريقي.
من المرجح أن الإمارات العربية المتحدة كانت تقود جهود الوساطة، وأصبح دورها أكثر وضوحًا في المراحل النهائية من التقارب بين إثيوبيا وإريتريا. في 15 حزيران/ يونيو ، وبعد 10 أيام من إعلان آبي أن إثيوبيا ستلتزم باتفاقية الحدود لعام 2002 بقبول السيادة الإريترية على بادمي، قام ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ومعه وفد رفيع المستوى، بزيارة إلى أديس أبابا للقاء آبي في لحظة هامة من طرح رئيس الوزراء للإصلاح. وأعلن البلدان أن الإمارات ستضخ مليار دولار في بنك الدولة في أثيوبيا من أجل المساعدة على استقرار احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية، وتقديم ملياري دولار من المساعدات الإضافية. كما ناقش الزعيمان الاستثمار الإماراتي في إثيوبيا كخصخصة لاقتصادها.
المصالح الاقتصادية للبلدين مكملة بعضها بعضًا إلى حد كبير، وازدهار البنية التحتية في إثيوبيا يشمل عددا من مشاريع الطاقة التي ستعزز القدرة على مضاعفة الاحتياجات المحلية الحالية، ما يتطلب بشكل مُلح استثمارات خاصة وأجنبية. إن خصخصة تجمع شركات الاتصالات وشركات الطيران الوطنية في إثيوبيا وغيرها من الصناعات المتنامية تتيح فرصًا كبيرة للمستثمرين من القطاع الخاص الإماراتيين والشركات المدعومة من الدولة التي تبحث عن المزيد من الفرص الاستثمارية الدولية مع انخفاض الميزانيات المالية في الخليج. في حين أن آبي يقوم بخصخصة بعض قطاعات الاقتصاد، إلا أن الدولة ما زالت تلعب دور المتحكم. بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فهذا يعوضها عن بيئة اقتصادية مألوفة للاستثمار. وتستند خطط التنمية الاقتصادية في إثيوبيا إلى توسيع قاعدتها الصناعية، مدفوعة بالتنمية الهائلة لقطاعها الزراعي، الذي يُشَغل 85 في المئة من العمال الإثيوبيين كمزارعي كفاف. تهدف خطة “التصنيع بقيادة التنمية الزراعية” إلى زيادة القطاعات الصناعية المبنية حول الاقتصاد الزراعي الأساسي، مثل المنسوجات والسلع الجلدية، والانتقال إلى اقتصاد صناعي متكامل في نهاية المطاف.
لكن هذا الهدف الذي طال أمده لم يتحقق بعد. ولا يزرع حاليًّا سوى ربع الأراضي الصالحة للزراعة، بالرغم من أن إثيوبيا لديها فائض من المياه. وهي بحاجة إلى استثمارات في الزراعة، ولدى الإمارات العربية المتحدة مصلحة أمنية غذائية مهيمنة لتطوير هذا القطاع في شرق أفريقيا، على الرغم من أن السياسات حول استخدام الأراضي يُرجح أنها ستستمر في جعل هذا المشروع مشحونًا.
بعد رحلة محمد بن زايد إلى إثيوبيا، سافر وفد إريتري رفيع المستوى إلى أديس أبابا في 25 حزيران/ يونيو للمرة الأولى لإجراء محادثات، وهبطوا في العاصمة على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الإماراتية. لم يكن أفورقي قد وافق بشكل واضح أو علني على تحرك آبي بخصوص بادمي، وقال عالم السياسة بجامعة بوسطن مايكل ولدمريام إنه يبدو من التسلسل الزمني للتصريحات والاجتماعات أنها صممت لتمنح الرئيس الإريتري متنفسًا لمتابعة التقارب النهائي. في الثالث من تموز/ يوليو، قام أفورقي بزيارة لأبو ظبي وقابل محمد بن زايد. واتفق الزعيمان على قيام الإمارات بمزيد من الاستثمار في إريتريا من خلال الزراعة والتصنيع والمساعدة في تطوير البنية التحتية المادية للبلاد. ثم في التاسع من تموز/ يوليو، احتضنت أسمرة كلاً من آبي وأفورقي لتعزيز اتفاقية سلام تاريخية والتعهد بزيادة التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي.
مصالح الإمارات العربية المتحدة
خلال العام المنصرم، أخذ التنافس بين دول الخليج وتركيا شكلاً أكثر حيوية في منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة ذات أهمية متزايدة بالنسبة للقوى العالمية الطموحة وللقوى الإقليمية الجديدة على حد سواء. غالبا ما كانت الصومال هي مجال هذه المنافسة، حيث تكون مصالح قوى الشرق الأوسط أقل وضوحًا، ولكن حيث تكون الهيئة السياسية المجزأة ورواد الأعمال السياسيون الاستغلاليون المسؤولون قد جعلوا منها بيئة مواتية بشكل خاص للمكائد. يستغل العميل والداعم كل منهما الآخر لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل، وقد ساهمت المعركة صفرية المحصلة على النفوذ بين قطر والإمارات العربية المتحدة بطُرق رئيسية في زعزعة استقرار ديناميكية البلاد.
أصبح للشراكة بين الإمارات وإثيوبيا آثار مضاعفة، وخاصة في الصومال. بعد لقائه مع محمد بن زايد في أديس أبابا، سافر آبي إلى العاصمة الصومالية مقديشو لإجراء محادثات مع الرئيس محمد عبد اللهِ محمد، المعروف باسم “فرماجو”، نتج عنها مذكرة تفاهم غامضة تلتزم بتكامل سياسي واقتصادي أكبر بين الجارتين المضطربتين، بما في ذلك تطوير مشترك لأربعة موانئ غير مسماة. وإلى جانب مصالح إثيوبيا في تحسين العلاقات مع الصومال، كانت رحلة آبي أيضًا محاولة للوساطة بين الإمارات وحكومة فرماجو، التي عارضت بشكل صارم ميناء بربرة وعلاقات الإمارات مع الدول الفيدرالية الصومالية التي تجاوزت الحكومة المركزية. يتلقى فرماجو الدعم من قطر وتركيا، وقد تفككت علاقات حكومته بالإمارات العربية المتحدة بسبب التنافس الخليجي في البلاد. ومن اللافت للنظر، أنه منذ زيارة آبي، تحدث فرماجو عن استئناف المحادثات مع صوماليلاند، الدولة الصومالية المتمتعة بالحكم الذاتي وحليفة الإمارات العربية المتحدة. قال مسؤولون صوماليون سابقون وأعضاء في البرلمان ودبلوماسيون غربيون في الصومال إنه يبدو أن فرماجو قد عمل حساباته لكي يتجنب تقوية المعارضين بين قادة الولايات الفيدرالية الصومالية، سيحاول أن يوازن علاقات حكومته مع قطر والإمارات العربية المتحدة. ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيحدث بالفعل، وما هي الوعود التي قد تكون قد عُرضت أو ماهية دور آبي بالضبط، لكن إضعاف النفوذ القطري في مقديشو سيكون انتصارًا آخر- وإن كان أصغر- لأهداف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أن علاقتها الجديدة مع إثيوبيا تحمل تحديات محتملة لدولة الإمارات العربية المتحدة. على رأس القائمة في مصر، وهي حليف وثيق، ربما تكون القاهرة منزعجة من تصريح آبي عن هدفه في إعادة إطلاق البحرية الإثيوبية، كونها لا تريد أن ترى منافستها تصبح قوة بحرية في البحر الأحمر. وإذا كانت الإمارات والسعودية تتطلعان إلى زيادة الاستثمارات الزراعية في إثيوبيا، فقد تخسر مصر أيضًا الدعم الدبلوماسي بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير وحماية ما تعتبره مصلحة أمنية وطنية في مياه النيل. لكن الإمارات نجحت في التوسط بين حلفائها ومصر في الماضي القريب، وكان أبرزها مع المملكة العربية السعودية في عام 2016. وفقًا لمسؤول غربي سابق، ذكر أن مسؤولين من إحدى الدول الأعضاء في القرن الأفريقي قد اقتربوا من نظرائهم الإماراتيين خلال المحادثات وطلبوا منهم وساطة مع القاهرة بسبب خلاف حول سد النيل الأزرق، تمامًا كما كانوا يفعلون مع الرياض. “نعم، نعم، سنتعامل مع هذا أولاً”، ذكر المسؤول الإماراتي، “ومن ثَم سنصل إلى تلك المشكلة”.
كما أوضحت تجربة الصين في إثيوبيا، فقد يكون تحقيق المكاسب الاقتصادية أكثر صعوبة من تحقيق الأهداف السياسية. بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى، فإن العوائد القصيرة الأمد على استثمارات الشركات الحكومية والخاصة ضرورة اقتصادية. ولكي ينجح برنامج آبي للتحرر الاقتصادي، سيكون عليه الانطلاق بالمواطنين حديثي التمكن بآمال تطال السماء. لقد فشلت المحاولات السابقة لدولة خليجية في التجارة الزراعية في القرن الأفريقي لعدة أسباب، لكن الحقائق السياسية المحلية حول استخدام الأراضي كانت محورية.
على الرغم من التحديات التي لا يمكن إنكارها قُدُمًا، إلا أن السلام المفاجئ بين إثيوبيا وإريتريا هو تطور جيوسياسي إيجابي جلب أملاً فوريًا لأغلبية شعبي البلدين، ورحبت به كل دول الجوار في القرن الأفريقي، وهي المنطقة التي كانت ولا تزال أكثر ما يميزها هو نزاعاتها ومعاناتها الإنسانية. وقد عمل الدور الخليجي المتنامي في القرن الأفريقي على مدى السنوات الثلاث الماضية على زيادة الريبة. لكن التطورات بين إثيوبيا وإريتريا توضح الدور القيم الذي يمكن أن تلعبه الجهات الخليجية الفاعلة التي لديها حصص طويلة الأمد في المنطقة في مساعدة حتى الذين يبدو أنهم ألد الأعداء لتحقيق مصالح مشتركة. كما أنه يؤكد على الطرق التي أصبحت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل الظروف المواتية، أكثر تطورًا في استخدام الدبلوماسية كوسيلة لمواصلة طموحاتها الجيوسياسية الاستراتيجية.
هو باحث غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وهو صحفي يكتب عن السياسة المعاصرة لدول الخليج العربية وباكستان.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
سواء فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالرئاسة للمرة الثانية أم لا، فإن علامته التجارية ستبقى سمة واضحة في منطقة الخليج.
ليس من المرجح أن يكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية تأثير كبير على الاقتصاد السعودي في عام 2025، ولكن قد يكون للاختلافات بين سياسات المرشحين تداعيات طويلة الأمد على المملكة.
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.
تعرف على المزيد