كانت السمة المميزة، ضمن السياسة العالمية للتغيير المناخي هذا العام، هي الوصول إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفري. لم تكن منطقة الخليج مستثناة، في يناير/كانون الثاني، كان يبدو أن عام 2021 قد يشهد أول أهداف صافي الانبعاثات الصفري في منطقة الخليج، لكن مع اقتراب نهاية العام، أعلنت حكومات الخليج، الآن، عن ثلاثة أهداف لصافي الانبعاثات الصفري، وأعلنت أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، أرامكو السعودية، عن طموح صافي الانبعاثات الصفري. بالإضافة إلى ذلك، قدمت جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بموجب اتفاقية باريس، خططًا جديدة، أو محدثة، متوسطة الأجل للتغير المناخي – كمساهمات تم إقرارها وطنيًا.
لفهم من أين تأتي هذه الأهداف ومدى أهميتها، وإلى أين قد تتجه المنطقة فيما بعد، من الضروري النظر إلى السياق الأوسع. أولاً، أصبح التغير المناخي الآن قضية الطاقة السائدة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ثانيًا، اصطفت الديناميكيات العالمية والإقليمية بشكل إيجابي هذا العام لصالح الطموح المناخي. ثالثًا، جاءت خطط المناخ لأعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأشكال وأحجام كثيرة، والتي بدورها توفر مؤشرات على معظم الأنشطة التي من المرجح أن يتم التركيز عليها في المستقبل.
المناخ هو السمة السائدة في أجندات الطاقة
إن الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تستأثر معًا برُبع انتاج نفط العالم وعُشر إنتاجه من الغاز الطبيعي، لديها علاقة صعبة مع التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة. يميل الخطاب حول التحول إلى التركيز على الابتعاد عن الوقود الأحفوري، ما يعني انخفاض عائدات الهيدروكربونات، وزيادة الضغط لتنويع الاقتصادات بعيدًا عن الاعتماد على تصدير النفط والغاز. لكن في السنوات الأخيرة، وفي هذا الصدد، تبنى بلدان خليجيان، على وجه الخصوص، التغيير ليعيدا ابتكار نفسيهما.
بدأت الإمارات العربية المتحدة في إيجاد مكانة لنفسها باعتبارها “رائدة الطاقة المستقبلية” في المنطقة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن حتى بعد مرور عقد من الزمن، لا تزال مصادر الطاقة المتجددة تمثل أقل من 1٪ من استهلاكها المحلي للطاقة. مرت فترة طويلة دون أن يظهر التغير المناخي بشكل رئيسي على أجندة شركة بترول أبوظبي الوطنية. إلا أن الأمور قد تغيرت بشكل كبير في العام أو العامين الماضيين، ومن بين أسباب ذلك، التغير السريع في ميول المستثمرين الدوليين. على سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني، احتلت قضية التغير المناخي والتحولات في مجال الطاقة مركز الصدارة في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول، وهو حدث سنوي مرموق في قطاع النفط. وتفيد الحكمة التقليدية بأنه عندما يتحرك قطاع النفط والغاز في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بجدية، تحدث أمور.
تبنت المملكة العربية السعودية بدورها، منذ عام 2019، مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وهو إعادة لابتكار مفهوم الاقتصاد الدائري، الذي يركز على تدفقات المواد والنفايات، في مجال الطاقة وتدفق الانبعاثات. يدعو نهج الاقتصاد الدائري للكربون إلى استخدام جميع التقنيات المتاحة لمعالجة الانبعاثات بأكثر الطرق فاعلية من حيث التكلفة. يتمثل الابتكار الرئيسي في كون هذه النهج يوفر رؤية لمستقبل آمن مناخيًا يكون فيه مصلحة لمنطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تسمح لهذه الدول بالمشاركة بشكل استباقي في عملية تحول الطاقة. في أكتوبر/تشرين الأول، اتخذت المملكة خطوة إضافية واعتمدت رسميًا مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون كإطار يحدد سياساتها المتعلقة بتغير المناخ.
الديناميكيات العالمية والإقليمية المفضلة
أَولى اثنان من حلفاء المنطقة الخارجيين الرئيسيين، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التغير المناخي أولوية متقدمة على أجندات سياساتهما الخارجية لهذا العام. وقد زاد ذلك من الأهمية العالمية لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي السادس والعشرين للتغير المناخي (COP 26)، ما أدى إلى تحفيز المزيد من الطموحات في جميع أنحاء العالم. في أبريل/نيسان، انضمت السعودية وقطر إلى منتدى منتجي صافي الانبعاثات الصفري بقيادة الولايات المتحدة، وأعلنت الإمارات والولايات المتحدة عن مبادرة بمليارات الدولارات للتغير المناخي والزراعة.
قامت الإدارة الأمريكية ورئاسة المملكة المتحدة لمؤتمر COP 26بزيارة منطقة الخليج عدة مرات على مدار العام حيث يسعى حلفاء المنطقة الخارجيون الرئيسيون للحصول على تعهدات مناخية أكثر طموحًا من أكبر اقتصادين في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، السعودية والإمارات. ربما لم يكن من قبيل الصدفة أن يحدد كلا البلدين منتصف القرن كموعد لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري لثاني أكسيد الكربون، وقد أعلن البلدان عن ذلك في الوقت نفسه تقريبًا، في أكتوبر/تشرين الأول.
كما لعبت الديناميكيات فيما بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية دورًا في طموحات المناخ الخليجية. وكما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى، تسعى السعودية والإمارات إلى رفع المكانة الإقليمية لكل منهما فيما يتعلق بسياسة المناخ. في مارس/آذار، أعلنت السعودية عن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، واستضافت قمة رفيعة المستوى في أكتوبر/تشرين الأول حول الموضوع، وتعهدت بمساهمة بنسبة 15٪ لصندوق الاقتصاد الدائري للكربون حديث الإنشاء، ومبادرة الطهي النظيف، بقيمة إجمالية تقدر بـ 10.4 مليار دولار. وفي أبريل/نيسان، استضافت الإمارات حوارًا إقليميًا حول المناخ، تم اختتامه ببيان وقّعت عليه عشرة من دول المنطقة تلتزم بتسريع العمل المناخي.
وسط تفسيرات الكثيرين على أنها منافسة إقليمية، كانت هنالك إشارة مهمة على وجود توافق دائم وطويل الأجل على الاهتمام بهذه القضية. بصفتهما قادة سياسة التغير المناخي في السعودية والإمارات، تشارك وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، مع المدير التنفيذي لشركة أدنوك والمبعوث الإماراتي الخاص لتغير المناخ سلطان أحمد الجابر، المنصة في الرياض عندما أعلنت السعودية عن هدفها فيما يتعلق بصافي انبعاثات صفري.
الكثير من الظلال على خطط المناخ الخليجية
لطالما انخرط أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع قضية التغير المناخي بمستويات مختلفة من الاهتمام. فقد نشطت السعودية والإمارات على الصعيد الدولي، بطريقتهما الخاصة، وكانت قطر تظهر من حين لآخر على جدول الأعمال العالمي (بما في ذلك استضافة مؤتمر الأمم المتحدة الثامن عشر للتغير المناخي)، في حين كانت القضية أقل بروزًا على أجندات أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخرى.
في أكتوبر/تشرين الأول، أعلن ثلاثة من أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن أهداف صافي انبعاثات صفري من ثاني أكسيد الكربون؛ الإمارات عام 2050 والسعودية والبحرين عام 2060. ورفض بعض المحللين أهداف صافي انبعاثات صفري للمنطقة، واعتبروها متناقضة، في إشارة منهم لخطط مواصلة أو حتى زيادة الإنتاج النفطي، وحقيقة أن الأهداف تستبعد “انبعاثات النطاق 3” – وهي الانبعاثات غير المباشرة التي تحدث على طول سلسلة القيمة للشركة، خارج نطاق الانبعاثات المباشرة، وتشمل تلك الانبعاثات الناتجة عن استهلاك النفط والغاز الطبيعي، على سبيل المثال.
ومع ذلك، فإن هذا الانتقاد لم يتطرق للنقطة التي تفيد بأنه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، يتم احتساب انبعاثات البلدان حيث يتم توليدها. لكن الوضع يختلف بالنسبة لشركات النفط، حيث لا توجد معاهدات دولية تحكم خططها أو أفعالها تجاه المناخ. أما في الوقت الحالي، فإن أهداف جميع شركات النفط الكبرى تقريبًا تستثني انبعاثات النطاق 3.
حظيت المساهمات المحددة وطنيًا المحسنة لبلدان الخليج بقدر قليل من الاهتمام في وسائل الإعلام. على الرغم من أنه من الناحية الرسمية كان مطلوبًا من الإمارات فقط تقديم مساهمات جديدة محددة وطنيًا (بالنظر إلى هدف عام 2021 في أول مساهمة محددة وطنيًا، بدلاً من 2030)، إلا أن الضغط السياسي على المستوى العالمي ازداد في الفترة التي سبقت مؤتمر COP 26 على جميع البلدان لإصدار تحديثات لأهدافها. بحلول أواخر أكتوبر/تشرين الأول، كانت جميع الدول الست في مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد قدمت مساهمات محددة وطنيًا جديدة أو محدثة إلى جانب 140 دولة أخرى.
هنالك اختلافات كبيرة عن أول مساهمات محددة وطنيًا لعام 2015 مرورًا بالوثائق الست الجديدة. إذا تم تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا الجديدة في دولة الإمارات، فإن البلاد ستشهد استقرارًا فعالاً للانبعاثات عند مستويات ما قبل الجائحة وحتى عام 2030. كما يقدم تحديث المساهمات المحددة وطنيًا في الكويت هدفًا أساسيًا جديدًا قد يرقى بالبلاد إلى الاستقرار في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عند مستويات ما قبل الجائحة وحتى عام 2035. كانت المساهمات المحددة وطنيًا للإمارات في السابق تحتوي على هدف للطاقة النظيفة فقط، ولم تكن هذه المساهمات لعام 2015، لا في الإمارات ولا في الكويت، تتضمن أهدافًا بشأن الانبعاثات.
إن تحديث المساهمات المحددة وطنيًا في السعودية يضاعف من هدفها المتعلق بالانبعاثات مقارنةً بمساهمتها الأصلية الأولى من هذه المساهمات. في حين أن غياب القاعدة الأساسية (أي وجود معلومات حول الانبعاثات المتوقعة في إطار سيناريو العمل كالمعتاد، والتي ستستند إليها أهداف الانبعاثات بعد ذلك) يعني أنه لا يمكن ترجمتها إلى هدف حقيقي للانبعاثات، فدمج المساهمات المحددة وطنيًا المحدثة يهدف إلى توليد نصف كهرباء البلاد من مصادر الطاقة المتجددة، والنصف الآخر من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، وهذا طموح كبير نظرًا لأنه في عام 2019 تم توليد ما يقدر بـ 43٪ من الكهرباء في البلاد من النفط و56٪ من الغاز الطبيعي. ومن المثير للاهتمام، أن تحديثات المساهمات المحددة وطنيًا في كلٍ من السعودية والكويت تشير إلى نهج اقتصاد الكربون الدائري.
كما أن المساهمات المحددة وطنيًا في قطر تقدم هدفًا أساسيًا، ولكنه لا يتضمن بيانات أساسية، ما يعني عدم إمكانية تقييمها. تتضمن المساهمات المحددة وطنيًا للبحرين أهدافًا كمية متواضعة لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، ولكن ليس ثمة هدف بخصوص الانبعاثات، في حين أن المساهمات المحددة وطنيًا الجديدة في عُمان ستفضي في الواقع إلى انبعاثات أعلى مما كانت بموجب الهدف السابق بسبب مراجعة من تم الاتفاق عليه مسبقًا.
2022: عام التنفيذ
إذا كان عام 2021 هو عام الطموح والأهداف المناخية الجديدة، فإن عام 2022 سيكون عام التنفيذ. لحسن الحظ، فإن التغير المناخي سيبقى في أولوية الأجندة الإقليمية، حيث ستستضيف دولتان عربيتان، مصر والإمارات، مؤتمرات الأمم المتحدة القادمة بشأن المناخ COPs)).
إن الأهداف الجديدة للمساهمات المحددة وطنيًا بحاجة لأن تترجم إلى أفعال على وجه السرعة. كان من بين نتائج COP 26 قرار رئيسي يدعى ميثاق جلاسكو للمناخ. يقوم بتذكير جميع البلدان أنه من المتوقع منها أن تقدم للأمم المتحدة “استراتيجيات التنمية طويلة الأجل لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري” وخطط التكيف الوطنية بحلول COP 27. كما يطلب ميثاق جلاسكو للمناخ من البلدان العمل على مواءمة أهداف المساهمات المحددة وطنيًا لعام 2030 مع أهداف اتفاقية باريس بخصوص درجات الحرارة بحلول نهاية عام 2022. من الممكن للتقارير التي تقدمها دول المنطقة، بما في ذلك خرائط الطريق بشأن هدف صافي انبعاثات صفري، وربما حتى المزيد من الطموحات القصيرة المدى من بعض البلدان، أو توضيح القواعد الأساسية، أن يعطي دفعة لتعزيز التحضيرات لـ COP 27 وCOP 28.
بناءً على حجم الطموح في المساهمات المحددة وطنيًا كما هي الآن، من المتوقع أن تأتي معظم الإجراءات المناخية في السنوات المقبلة من السعودية والإمارات. من المرجح، في عام 2022، أن يتركز الاهتمام المتزايد في المنطقة على تمويل عملية تحويل الطاقة، بما في ذلك الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة واستراتيجيات الهيدروجين وتأطير السياسات، ونماذج الأعمال التجارية والأساليب الجديدة في تقنيات احتجاز الكربون والانتفاع منه، وتخزينه ونشره على نطاق واسع. بناءً على أهداف المساهمات المحددة وطنيًا، نأمل أن يكون هناك أيضًا زيادة كبيرة في قدرات الطاقة المتجددة.