ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
اتخذت الجمهورية الإسلامية لهجة أشد قسوة، إلى حد ما، في رد فعلها على إعلان البحرين تطبيع العلاقات مع إسرائيل، من اللهجة التي وجهتها للاتفاق بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة، على النحو الذي عبر عنه فيلق الحرس الثوري الإيراني والمعارضة البحرينية الشيعية، التي تتخذ من إيران مقراً لها. فكيف يمكن تفسير الفوارق الدقيقة في رد فعل الجمهورية الإسلامية، وما هو تصرف طهران المرجح استناداً إلى التهديدات التي وجهتها للبحرين؟
عندما بدأت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل عملية تطبيع العلاقات، أرسل مسؤولو الجمهورية الإسلامية ومؤسساتها رسالة موحدة نسبياً، حذرت وزارة الخارجية من “أي تدخل للكيان الصهيوني في المعادلات الإقليمية” وستُحمل إيران “مسؤولية ذلك للحكومة الإماراتية وحلفائها”. وهدد الرئيس حسن روحاني بالتعامل مع الإمارات “بطريقة مختلفة” إذا فتحت “الطريق لإسرائيل للتواجد في المنطقة”. كما كرر الحرس الثوري الإيراني التهديدات في بيانٍ له، ولكنه توقع أيضاً “انتفاضات شعبية” ضد حكام الإمارات. أما المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي كان آخر الشخصيات المهمة التي تعلق على القضية، فقد أدان “خيانة حكومة الإمارات العربية المتحدة”، لكنه أعرب عن أمله في أن “تفيق الإمارات وتعوض ما فعلته”.
في حين أن الجمهورية الإسلامية عزفت على الأوتار نفسها في سياق ردها على اتفاق البحرين مع إسرائيل، إلا أن طهران يبدو قد اختارت عموماً نهجاً أشد قسوة. فما يزال خامنئي لم يعرب عن رأيه في هذه القضية. لكن وزارة الخارجية أدانت بشدة هذه الخطوة، التي زعمت أنها تضحي بـ “قضية فلسطين”، وتماشياً مع تحذيرها السابق للإمارات، صرحت أن الحكومة البحرينية “ستتحمل المسؤولية” في حال “تسببت إسرائيل في زعزعة الأمن في منطقة الخليج الفارسي”. وفي تعليقه على الموضوع في 16 سبتمبر/أيلول، حذر روحاني من أن “الإمارات والبحرين تحاولان تزويد إسرائيل بقاعدة في المنطقة، وعليهما أن تتحملا مسؤولية ذلك”. ولم يكن واضحاً ما إذا كانت “قاعدة” هي إشارة إلى قواعد عسكرية أم أنها استخدمت مجازاً. وعدا عن تكرار التحذيرات من وزارة الخارجية وروحاني، فإن بيان الحرس الثوري الإيراني شن أيضاً هجوماً شخصياً على العاهل البحريني: “على الجلاد حاكم البحرين أن ينتظر الانتقام الصارم من مجاهدي تحرير القدس والأمة الإسلامية الموقرة في هذا البلد [البحرين]”. وتصدّر بيان الحرس الثوري الإيراني مقابلة في صحيفة “الشيعة نيوز” مع عبد الصاحب يادغاري من جامعة العلامة الطباطبائي، الذي أعرب عن أمله في أن البحرين “ستعود أخيرًا إلى الوطن الأم”، في إشارة إلى مطالب إيران التاريخية بالبحرين حتى مارس/آذار 1970. وكان بيان مماثل صادر عن محرر صحيفة “كيهان” قد أطلق العنان لأزمة بين إيران والبحرين في 17 مايو/أيار 2012.
وعلى عكس رد الجمهورية الإسلامية على الخطوة الإماراتية، فقد تبع تحذيرات الحرس الثوري الإيراني للحكومة البحرينية سيل من التصريحات العلنية من قادة ونشطاء شيعة بحرينيين في المنفى، أعربوا عن معارضتهم من خلال منابر الجمهورية الإسلامية الناطقة بالفارسية والعربية. وأصدر عيسى قاسم، الزعيم الروحي لـ”الوفاق”، الجمعية السياسية الشيعية البارزة في البحرين، والتي تم حلها من قبل الحكومة في عام 2016، بيانًا يدين تطبيع العلاقات، ويحذر من “الفجوة المتزايدة بين الحكام والشعب” في البحرين. وندد عبد الله الدقاق، ممثل قاسم في إيران، بتطبيع العلاقات ووصفه بأنه “خيانة” و”حرام شرعًا” تمامًا مثل “أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر”. كما أشار عبد الله الصالح من جمعية العمل الإسلامي إلى المقاومة الشعبية لمبادرة الحكومة البحرينية. وكذلك فعل عبد الغني الخنجر المتحدث باسم “حركة حق للحرية والديمقراطية”. وحذر أيمن الربيعي، وهو ناشط سياسي في قم، من أن “البحرينيين لن يسمحوا لأفعال سلالة خليفة بالمرور دون رد”. يبدو أن انتقادات المعارضة البحرينية لتطبيع العلاقات قد لقيت صدىً لها عند الجمهور البحريني، وأصبح “بحرينيون ضد التطبيع” متصدراً على تويتر بين البحرينيين، وفقًا للسفير الفلسطيني في المملكة المتحدة.
ويرجع رد فعل الجمهورية الإسلامية الأشد قسوة على إعلان البحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل جزئياً إلى الفرص الكبيرة المتاحة: شهدت البحرين ذات الأغلبية الشيعية، والتي يحكمها السُنة، العديد من الأزمات السياسية منذ عام 2011، ويذهب القادة الشيعة البحرينيون المتطرفون والمهمشون سياسياً على الجمهورية الإسلامية لحشد الدعم. وقد حاولت الجمهورية الإسلامية بدورها، بشكل مستمر التلاعب بالنضال الشيعي لمصالحها السياسية، كما أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يوفر مظلمة أخرى يمكن لطهران أن تستخدمها لحشد شيعة البحرين ضد حكامهم.
ليس من الواضح ما الذي يعنيه الحرس الثوري الإيراني بتهديداته بـ “الانتقام الصارم”، وهناك حدود لما يمكن أن تحققه الجمهورية الإسلامية في البحرين: منذ عام 2011، والجمهورية الإسلامية تعمل على تقويض العلاقات بين الدولة والمجتمع في البحرين، لكن أسرة آل خليفة الحاكمة لا تزال متشبثة في السلطة، بينما يتم تهميش المعارضة بشكل متزايد. والأسوأ من ذلك، من وجهة نظر طهران، أن مثل هذه التهديدات والحديث الأهوج عن الهيمنة الإيرانية على البحرين يدفع المنامة إلى الارتماء أكثر في أحضان خصوم الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإسرائيل.