منذ توغل حركة حماس في إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تمخض عنه من غزو إسرائيلي لغزة، نشرت وسائل الإعلام الدولية تقارير عن تبادل إطلاق نار بين الجيش الإسرائيلي وميليشيا حزب الله اللبنانية في منطقة الحدود الإسرائيلية-اللبنانية. وعلى الرغم من وجود مخاوف سياسية كبيرة وتكهنات بشأن خطر انتشار الصراع إلى لبنان، إلا أن الخسائر المحدودة التي تكبدها حزب الله – والتي لم تتجاوز 146 ضحية منذ بداية الحرب – لا تشير إلى خطر وشيك يتمثل في تصعيد الميليشيا اللبنانية للصراع، خاصة في ظل عدم وجود أحداث مأساوية من شأنها أن ترغم إيران، راعية حزب الله، وإسرائيل على الدخول في مواجهة مباشرة. وبعيدًا عن الخطر، المنخفض نسبيًا، المتمثل في استفزاز حزب الله لإسرائيل، ودفعها إلى حرب ضد لبنان، فإن التقارير، المنشورة في مصادر مفتوحة باللغة العربية والفارسية، الواردة عن عدد القتلى الذي تكبده حزب الله تعطينا فكرة عن البنية العسكرية لوحدات حزب الله.
وفقًا لتصريحات حزب الله المنشورة بشأن “عملية شهداء الطريق إلى القدس” كما يسمي الحزب مناوشاته مع إسرائيل، فقد تكبد حزب الله 146 قتيلاً ما بين الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الثامن من يناير/كانون الثاني 2024. يبدو أن متوسط الخسارة الأسبوعية لحزب الله كان منخفضًا، وبلغت أعلى نسبة يومية 13 قتيلاً في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي سياق منفصل، يبدو أن حزب الله لم يفقد سوى قائد كبير واحد، وهو وسام حسن الطويل من قوة الرضوان التي تعد من قوات النخبة في حزب الله، الذي لقي حتفه في عملية اغتيال موجهة نفذتها طائرة مسيرة في النبطية في الثامن من يناير/كانون الثاني. وربما كان حسين يزبك، الذي قتل في محافظة الجنوب في الرابع من يناير/كانون الثاني، ضابطًا أيضًا، ولكن لم تعرف رتبته ودوره على وجه التحديد.
فمن بين محافظات لبنان التسع، تم تحديد خمس محافظات فقط باعتبارها أماكن ولادة 146 فردًا من قتلى حزب الله، وهو ما يعكس إلى حد كبير الانقسام الطائفي في البلاد. وكان أكثر من نصف مجموع القتلى بقليل، 75 قتيل، من السكان المحليين في محافظة النبطية، تليها محافظة الجنوب وبعلبك-الهرمل والبقاع وبيروت.
ويعد هذا الأمر لافتًا للنظر لسببين:
الأول أن العاصمة بيروت وضواحيها، التي لم تتكبد سوى خمس خسائر، تأتي في ذيل القائمة. قد يُعزى هذا جزئيًا إلى الروابط القوية بين الجيل الثاني، أو حتى الثالث، من المهاجرين إلى العاصمة وقرى أجدادهم. ربما يتم تقديمهم، بعد مقتلهم، على أنهم من مواطني المحافظات الأخرى، وتقام الجنازة ومراسيم الدفن في قرى أجدادهم وليس في بيروت. في حالات قليلة، يتم تفسير ذلك بوضوح في حملات حزب الله الإعلامية المتعلقة بالقتلى في صفوف المقاتلين، حيث تميز التصريحات الرسمية بين مكان ولادة القتيل ومحل إقامته.
يتمثل السبب الثاني في كون النبطية، التي يقدر عدد سكانها بنحو 391 ألف نسمة في عام 2022، تضم أصغر تعداد سكاني بين المحافظات الخمس موضع الاهتمام، إلا أنها رغم ذلك تعد مسقط رأس أكثر من نصف القتلى من مقاتلي حزب الله. ليس من السهل تفسير ذلك. ربما تكون محدودية الفرص الاقتصادية في النبطية هي السبب في زيادة نسبة مواطني المحافظة بين مقاتلي حزب الله بشكل عام، وهذا بدوره يفسر زيادة نسبة مواطني النبطية بين قتلى حزب الله. بيد أنه من الممكن أيضًا تفسير التمثيل الكبير إحصائيًا للنبطية بقربها من الحدود الإسرائيلية، وهو ما ينطبق أيضًا على محافظة الجنوب التي تكبدت 26 ضحية، وهو ثاني أكبر عدد من القتلى بين المحافظات الخمس. ويعد هذا التفسير صحيحًا بشكل خاص إذا كان القتلى من بين جنود الاحتياط المتمركزين في مسقط رأسهم يخدمون فيها.
ومن بين 146 قتيلاً، لم يتم التعرف إلا على مكان قتل 18 شخصًا. ومن بين هؤلاء، أفادت التقارير عن مقتل ستة في صور، في محافظة الجنوب على مدى يومين متتاليين في الثامن والتاسع من أكتوبر/تشرين الأول. وقتل عشرة في سوريا في يومين مختلفين في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني والثامن من ديسمبر/كانون الأول. وقتل القائد وسام الطويل في مسقط رأسه بمحافظة النبطية في الثامن من يناير/كانون الثاني.
ومن ناحية أخرى، من المرجح أنه يتم تنظيم المقاتلين في وحدات تتألف من جنود مكلفين من جميع أنحاء البلاد، ولا يتمركزون بالضرورة أو يخدمون في مسقط رأسهم. بالنسبة للقتلى الستة في صور، اثنان منهم كانا من مواطني النبطية، ولم يعرف مسقط رأس أحدهم. أما الآخرون فقد ولدوا في محافظات بيروت والجنوب والبقاع. على فرض أن الأفراد الستة الذين قتلوا في الموقع نفسه وفي التاريخ نفسه تقريبًا قد خدموا في الوحدة نفسها، فإنه يتم تنظيم مقاتلي حزب الله ضمن الخدمة الفعلية في وحدات مختلطة تضم جنودًا من جميع أنحاء البلاد.
ينطبق الأمر نفسه عند استعراض قتلى حزب الله في سوريا: في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني قتل سبعة من مقاتلي حزب الله في حمص بسوريا، وأوردت التقارير مقتل ثلاثة من مقاتلي حزب الله في القنيطرة بسوريا في الثامن من ديسمبر/كانون الأول. من بين الذين قتلوا في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، هناك ثلاثة من مواطني النبطية، وكان آخرون من مواطني بعلبك-الهرمل والبقاع وبيروت ومحافظة الجنوب. وكان اثنان من قتلى حزب الله في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من مواطني النبطية، والثالث كان من مواطني محافظة الجنوب.
وبعيدًا عن المعلومات المتعلقة بتشكيلة وحدات الاحتياط ووحدات الخدمة الفعلية التابعة لحزب الله، فإن هذه المعلومات قد تشير أيضًا إلى استعدادات الميليشيا اللبنانية: إن الزيادة المفرطة في نسبة قوات الاحتياط بين القتلى تشير إلى أن حزب الله لم ينشر قوات الخدمة الفعلية على امتداد الحدود الإسرائيلية. وهذا بدوره يعزز مفهوم عزوف حزب الله بشكل عام عن شن حربٍ ضد إسرائيل وامتداد حرب غزة إلى لبنان.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.