ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الواجهة العامة للدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط. بعد مرور أربع سنوات، وعلى الرغم من تدهور الوضع الليبي، وبقاء لبنان في حالة من التوتر الشديد، وخلافه البغيض مع الرئيس التركي، إلا أن ماكرون قد عمّق من تعاملاته، مؤخرًا، في أعقاب جولة خليجية ناجحة، حيث وضع اللمسات الأخيرة على عقود دفاعية مجزية مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. كما أن زيارته إلى السعودية والإمارات وقطر تعد ذات مغزى كذلك قبل محاولته لإعادة انتخابه مجددًا في أبريل/نيسان 2022. وتأتي زيارته في أعقاب المشاحنات بين فرنسا وحلفائها في حلف الناتو في سبتمبر/أيلول بسبب إلغاء أستراليا صفقة غواصات بقيمة 66 مليار دولار لصالح سفن أمريكية تعمل بالطاقة النووية. بعد كشفه النقاب في أكتوبر/تشرين الأول عن خريطة طريق رؤية 2030 الطموحة لفرنسا التي تنطوي على استثمار 35 مليار دولار في نظام الرعاية الصحية والاقتصاد الأخضر في البلاد، يستغل ماكرون فراغ السلطة، الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة، ليعيد إحياء الصناعات الدفاعية الفرنسية، التي يرى أنها ضرورية لفرنسا لكي تبقى طرفًا فاعلاً في الشؤون العالمية.
منذ أكثر من عقد مضى وسياسة الولايات المتحدة تنطوي على ما يبدو أنه انسحاب من الشرق الأوسط. في الآونة الأخيرة، أدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والشكوك المتعلقة بفرص الرئيس جوزيف بايدن في إحياء الاتفاق مع إيران (جنبًا إلى جنب مع التخوفات التي تعود إلى مفاوضات عام 2015) إلى دفع دول الخليج العربية لزيادة تنويع تحالفاتها الأمنية، خشية تخلي واشنطن عنها في المستقبل. في غضون ذلك، انغمست المملكة المتحدة، الحليف التقليدي لدول الخليج العربية، في مخاوفها المحلية منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من سعيها الحثيث لإقامة شراكات تجارية عالمية لتعويض الخسائر التي تكبدتها جراء انسحابها من الاتحاد الأوروبي. عززت كل هذه العوامل المصالح الإستراتيجية لفرنسا في الشرق الأوسط، واتخذت من منطقة الخليج مدخلًا لطموحات ماكرون السياسية في المنطقة.
الاستفادة من الخليج ماليًا
على مدى السنوات الأربع التي ظل فيها مجلس التعاون لدول الخليج العربية منقسمًا بسبب الأزمة القطرية، لم تواجه الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة الكثير من العراقيل. كانت الإمارات صديقة لفرنسا في جميع الأحوال. وعلى أية حال، فقد تعززت العلاقات في ظل رئاسة ماكرون. لقد وجدت كلتا الدولتين في الإسلام السياسي عدوًا مشتركًا، وقاتلتا معًا في ليبيا إلى جانب الجيش الوطني الليبي، حتى وإن كانت النتائج متباينة في أحسن الأحوال، وانضمت فرنسا إلى الإمارات واليونان في مواجهة أنشطة تركيا في أنشطة التنقيب ونفوذها في شرق البحر المتوسط. خلال زيارته لأبوظبي، حظي ماكرون بأرقام هائلة كافية لأن تتصدر عناوين الصحف المحلية والدولية. إلى جانب توقيع صفقة قياسية مع أبوظبي لبيع 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال بتكلفة حوالي 19 مليار دولار، تم أيضًا توقيع اتفاقيات اقتصادية بقيمة 17 مليار دولار.
تعد فرنسا ثالث أكبر مصدر للأسلحة للسعودية، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. على عكس القيادة في كلا البلدين، فإن ماكرون لديه ما يكفي من الرصيد السياسي لمواجهة الضغوط الداخلية التي تطالب بوقف مبيعات الأسلحة للمملكة بسبب تدهور الوضع الإنساني في اليمن. علاوة على ذلك، بصفته أول زعيم غربي يزور السعودية، منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فقد حمل ماكرون لواء التعامل مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لكونه لا يزال منبوذًا في معظم العالم الغربي.
ومع ذلك، فإن الأمور لا تسير كلها بشكل سلس في الخليج. فقد تسبب إصرار ماكرون على السماح بنشر وعرض الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، في أعقاب قطع رأس مدرس فرنسي في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، برد فعل عنيف من الكويت على وجه الخصوص. ونظرًا لنشاط مجلس الأمة والمجتمع المدني في الكويت، فقد أثارت الكويت الضجة الكبرى في منطقة الخليج بشأن هذه القضية، حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانًا رسميًا انتقدت فيه ماكرون. كما أدت أزمة الرسوم إلى قيام حوالي 60 بقالة في الكويت بإزالة المنتجات الفرنسية عن رفوفها. وهذا يوضح عدم إدراج الكويت على خط سير رحلة الرئيس إلى الخليج.
وسيط نزيه أم حنكة سياسية محضة؟
لم تقتصر جولة ماكرون الخليجية على صفقات الأسلحة والاستثمارات. فقد وضع نفسه، وفرنسا، كوسيط رئيسي، خاصة أثناء زيارته للرياض. حاول ماكرون التوسط بين السعودية ولبنان، التي كانت تخضع للانتداب الفرنسي قديمًا. حيث تصاعد التوتر بعد انتقاد وزير الإعلام جورج قرداحي للتدخل العسكري السعودي في اليمن. أثار هذا الانتقاد رد فعل عنيف من السعودية، التي طردت السفير اللبناني لديها، وأوقفت جميع الواردات من لبنان. كما حذت الإمارات والكويت والبحرين حذو السعودية باستدعاء سفرائها من بيروت.
استقال قرداحي من منصبه قبل يوم واحد فقط من زيارة ماكرون للمملكة على أمل تسهيل مهمة الرئيس الفرنسي في التفاوض. وتمكن ماكرون من ترتيب مكالمة هاتفية مشتركة بين رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ومحمد بن سلمان. أعلن الرئيس الفرنسي في وقت لاحق عن مبادرة سعودية-فرنسية لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية العميقة.
حتى الآن، عملت حنكة ماكرون السياسية في منطقة الخليج، والشرق الأوسط عمومًا، على تعزيز وجود فرنسا في المنطقة، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى فوزه في الانتخابات في العام القادم أم لا. ومع ذلك، فإن هذه الجهود، بدءًا من رهانه في التحالف مع قوى غير ديمقراطية في ليبيا إلى تسهيل حصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أعلى وسام مدني فرنسي في عام 2020، ومؤخرًا، الإعلان عن قوانين جديدة للأمن القومي، تستلزم مراقبة أكثر صرامة على الخطر الذي يشكله المواطنون المسلمون في البلاد، تساهم في التعتيم على إرثه كوسيط نزيه في إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.