يسود اعتقادٌ بأن الانتخابات النصفية التي ستجري في الولايات المتحدة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر ستكون الأهم منذ عقود. فلا يزال من غير المعروف من سيسيطر على كلٍ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فضلًا عن أنّ عددا كبيرا من المتنافسين يتطلعون للفوز بمنصب الحاكم في الولايات المختلفة والسكن في القصور الخاص بهم. لكن علاوةً على ذلك، أقر في الواقع كل من الخصميْن المحلييْن، أي الديمقراطيين والجمهوريين، بأن هذه الانتخابات ستكون الاستفتاء العام الأول الكبير على دونالد ج. ترامب ورئاسته منذ انتصاره المفاجئ على هيلاري كلينتون عام 2016. وستحدد النتيجة ميزان القوى في واشنطن للسنتيْن القادمتيْن، وسيكون لها بالتالي دور مؤثر بشكلٍ غير متناسق، على الأقل مقارنةً بمعظم الانتخابات النصفية الأخرى، في المساعدة على رسم السياسة الأمريكية الخارجية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020.
فإذا فاز الديمقراطيون بالأغلبية الساحقة في مجلس النواب عبر “موجة زرقاء” حاسمة، وإذا أحكموا قبضتهم بشكلٍ خاص أيضًا على مجلس الشيوخ (رغم أن هذا الاحتمال غير مرجح)، ستصبح سلطة ترامب، بما فيها سلطته على السياسة الخارجية، مقيدةً إلى حدٍ كبير. ومن جهة أخرى، إذا لم يستولِ الجمهوريون على مجلس الشيوخ فحسب، بل نجحوا في السيطرة على مجلس النواب أيضًا، ستصبح إدارته أقوى وقبضته على السياسة الخارجية أكثر إحكامًا. وفي حال فاز الديمقراطيون بأغلبية كبيرة بما فيه الكفاية في مجلس النواب في حين احتفظ الجمهوريون بأغلبية صغيرة إنما قوية في مجلس الشيوخ، سيشكل القرار الذي لا يصدر بالإجماع إشكاليةً بالنسبة إلى ترامب، لكنه سيؤدي أيضًا إلى المعادلة الأكثر تعقيدًا للسلطة. فسيعني ذلك فعليًا أن القرار لم يُحسَم بعد بشأن “نزعة ترامب”، وأنه سيتم إرجاء المسألة إلى عام 2020. وإن هذا السيناريو، الذي يترك كلا الطرفيْن مصونيْن وضعيفيْن في آن، معقولٌ تمامًا ومحتملٌ بالفعل.
ما هي المخاطر هنا بالنسبة إلى دول الخليج العربية؟
بما أن عدة بلدان خليجية عربية أساسية – ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – على علاقة وثيقة بإدارة ترامب، خصوصًا في الآراء العامة، يغدو الكثير من مصالحها معنيًا بهذه الانتخابات، وربما في خطر. فستؤدي سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب إلى تبديل عملية صنع السياسات تمامًا على مدى السنتيْن القادمتيْن. فقد تمتع الجمهوريون تحت حُكم ترامب باحتكارٍ غير معتاد، مع أنه ليس غير مسبوق، للسلطة في واشنطن، إذ تحكموا بكلا المجلسين في الكونغرس. لذلك لم يواجه ترامب مقاومةً كبيرةً من الكونغرس لسياسته الخارجية وسياساته الأخرى. فصحيحٌ أن المشرّعين عارضوا ترامب من خلال الإصرار على عقوبات جديدة ضد روسيا لم يكن يريدها، وأن مقاومةً مؤسسيةً صغيرة نشأت في الكونغرس إزاء بعض مبيعات الأسلحة، من بينها المبيعات إلى دول الخليج العربية. لكن ترامب تمتع بالإجمال بحرية التصرف.
إلا أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب ستغير تلك المعادلة. فسيحتاج ترامب إلى تعاون الديمقراطيين في مجموعة واسعة من المبادرات المتعلقة بالسياسات الخارجية، ومنها التمويل الأمريكي، وإلا فقد يتم وقفه عبر التدابير التشريعية. وفي حين أن مجلس الشيوخ يحتل موقعًا أفضل، في معظم الحالات، يخوّله إيقاف المبادرات الرئاسية، باستطاعة بعض الأعضاء الأساسيين في مجلس النواب أن يتخذوا تدابير جوهرية لتقييد بيع الأسلحة ونقل التكنولوجيا وأي شيء يشمل تخصيص الأموال الحكومية الأمريكية. إلى ذلك، سيستخدم الديمقراطيون مطرقة الرئيس في عدة لجان من مجلس النواب، ويستطيعون بالتالي إطلاق عمليات تحقيق مهمة والمساعدة بنشاط في تحديد النقاش العام حول السياسة الخارجية الأمريكية. وسيتأثر عددٌ من السياسات بنتيجة كهذه، لا سيما تلك التي تشمل علاقة ترامب بالسعودية. فقد جاهر كل من ترامب والسعوديين إلى حدٍ كبير بتقاربهما عقب المتاعب في حقبة الرئيس السابق باراك أوباما. وبالفعل، تشكل العلاقات الوثيقة جدًا بين الحكومة السعودية وإدارة ترامب سبيلًا أساسيا الآن لهجمات السياسة الخارجية ضد الرئيس، وتكاد لا تكلّف نقاده شيئًا من الناحية السياسية.
مبيعات الأسلحة وحرب اليمن
سبق أن واجهت مبيعات الأسلحة إلى الحلفاء الأساسيين من دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، معارضةً متزايدة من جانب الكونغرس بسبب الهواجس حول حرب اليمن. فقد أعربت مجموعة واسعة من الديمقراطيين وحتى بعض الجمهوريين الذين اتخذوا موقفًا حكيمًا، ومن بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر وليندسي غراهام وماركو روبيو، عن قلقهم المتزايد إزاء المسؤولية الأمريكية عن الأزمة الإنسانية في اليمن التي تفاقمت إلى حدٍ كبير بفعل النزاع. وفي خلال ولاية أوباما الثانية، ومجددًا تحت حُكم ترامب، تم فرض قيود مؤقتة على بعض المبيعات المرتبطة بالحرب في اليمن، لا سيما 120 ألف ذخيرة دقيقة التوجيه ستُعيد ملء المخازين التي يتم إنفاقها في حملة اليمن. وفشل الجهد الذي بذله الحزبان من أجل إلزام الحكومة الأمريكية على التخلي عن أي تعاون أساسي مع التدخل العربي في اليمن، لكنه جمع دعمًا مهمًا.
غير أن المخاوف حول اليمن تستمر في التطور، وينصبّ الغضب إزاء السعودية الآن على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/أكتوبر في القنصلية السعودية في اسطنبول. فتنتشر الرغبة في الكونغرس في تسجيل استنكار الولايات المتحدة مقتل خاشقجي الذي يقترن بالقلق المتنامي حول الوضع في اليمن، ما يشير إلى إمكانية نجاح الجهد التشريعي الآخر الرامي إلى تقييد التدخل الأمريكي في اليمن، لا سيما إذا حاز الديمقراطيون الأغلبية في أحد مجلسيْ الكونغرس أو كليهما. كما قد يهدد ذلك بعض مبيعات الأسلحة، أقلّه من خلال قدرٍ مهم من القيود والتأخير والمحاذير التشريعية. وتقع عدة مبيعات عالقة إلى السعودية على الأرجح في هذه الفئة، بما فيها الذخائر دقيقة التوجيه ومنظومة الدفاع المضادة للصواريخ “ثاد”. وتشمل منظومة “ثاد” أيضًا عملية نقل تكنولوجيا محتملة ومهمة يمكن أن يُستدعى فيها الأمن الوطني الأمريكي والتفوق العسكري الإسرائيلي النوعي إلى تأخيرها أو إيقافها. وينطبق الأمر نفسه على الجهود الإماراتية الرامية إلى شراء الطائرة المقاتلة النفاثة من الجيل الخامس “أف-35″، التي يمكن أن تواجه أيضًا مصاعب مرتبطة باليمن.
ومن خلال التحقيق في مسائل مشحونة مثل الأزمة الإنسانية ووفيات المدنيين في اليمن، أو مقتل خاشقجي، أو هواجس أخرى مرتبطة بحقوق الإنسان، يمكن أن يسعى الديمقراطيون في حال تمكينهم في الكونغرس إلى تخريب العلاقات الوطيدة بين ترامب والسعودية، وحتى الإمارات، لتحقيق المنفعة السياسية للمناصرين، وإلى التأكيد ظاهريًا في الوقت نفسه على القيم الأمريكية وقيم “الحزب الديمقراطي”.
إيران
أصبحت إيران أيضًا مسألةً سياسيةً حزبيةً بين الجمهوريين والديمقراطيين. فتُظهِر الهجمات المستمرة التي شنها ترامب على سياسات أوباما إزاء إيران، وخصوصًا الاتفاق النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” الذي انسحب منه في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، الانقسام الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن إيران. فقد رحّب معظم الجمهوريين بحملة “الضغط الأقصى” التي أطلقها ترامب ضد إيران، لكن عدة ديمقراطيين يشجبونها على أنها غير منطقية ومضللة، ويقارنونها بشكلٍ سلبي بالاتفاق النووي الذي أيّدوه إلى حدٍ كبير. ولا تعتمد معظم السياسات المرتبطة بإيران على تدبير الكونغرس ويمكن أن تأمر بها السلطة التنفيذية وحدها. لكن البيت الأبيض الذي يتمتع بدعم السلطة التشريعية سيتمتع بسلطة أكبر بكثير من ذلك الذي يتناحر باستمرار مع مجلس النواب أو مجلس الشيوخ حول العقوبات والضغوطات الأخرى على إيران.
بالتالي، ستعقّد سيطرة الديمقراطيين على إحدى غرفتيْ الكونغرس أو كلتيهما بشكلٍ ملحوظ “الضغط الأقصى” الذي يمارسه ترامب ضد طهران. فستجد البلدان الأوروبية التي تسعى إلى البقاء في الاتفاق النووي رغم معارضة الولايات المتحدة أنها فازت فجأةً بشركاء أقوياء في واشنطن. وقد يعزز ذلك الشعورَ في العواصم الأوروبية، وخاصةً طهران، بأن المقاربة الأكثر حكمةً ستتمثل في انتظار إدارة ترامب استعدادًا لنشوء حكومة أكثر انصياعًا يهيمن عليها الديمقراطيون بعد عام 2020. ومن جهة أخرى، إذا احتفظ الجمهوريون بسيطرة الأغلبية على كامل الكونغرس، سيزداد الانطباع بأن السياسة الأمريكية اجتازت بشكلٍ نهائي المرحلة الصعبة، وأن العقوبات المتزايدة والضغوطات الأخرى ضد إيران وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا حول هذه المسائل ستشكل المقاربة الأمريكية في المستقبل المنظور. ونظرًا إلى الدرجة التي تشمل فيها حملة الضغط صياغة التصورات والحرب النفسية، قد يكون أثر نتيجة الانتخابات على فعالية السياسة الإيرانية في غاية الأهمية.
السياسات الأخرى المرتبطة بالخليج
قد تتأثر مجموعة من السياسات الشرق أوسطية الأخرى بنتيجة الانتخابات. فيبدو أن إدارة ترامب تلتئم أخيرًا حول سياسة جديدة في سوريا تقوم على الحفاظ على بنى القوات الأمريكية في شرق سوريا والتعاون مع تركيا وروسيا للحد أخيرًا من النفوذ الإيراني في البلاد. ومن غير الواضح ما إذا كان الديمقراطيون يعترضون بشكلٍ كبير على هذه السياسة، لا سيما نظرًا إلى مصلحة إسرائيل الكبيرة في الوجود الأمريكي القوي وطويل الأمد في سوريا، وبالتالي قد يعزز مجلس النواب الديمقراطي حتى هذه المقاربة.
فيدعم الديمقراطيون إسرائيل بقوة، لذا لم يعترض المناصرون كثيرًا على ميل ترامب الكبير نحو إسرائيل من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع العلاقات مع “منظمة التحرير الفلسطينية”، وإيقاف كافة المساعدات الأمريكية تقريبًا إلى “السلطة الفلسطينية” والوكالات التي تهتم بالفلسطينيين. ولم يُبدِ المناصرون أيضًا أي محاولة تخطي للآراء المتنوعة في الكونغرس حول مقاطعة قطر. إلا أن المساعدة العسكرية إلى مصر قد تواجه اعتراضات شبيهة بتلك المتعلقة بمبيعات الأسلحة إلى السعودية، بناءً اعتبارات حقوق الإنسان.
وقد يستمر الديمقراطيون وبعض الجمهوريين أيضًا في التصدي لفكرة اضطلاع الولايات المتحدة بدورٍ ريادي في مساعدة السعودية على تطوير صناعة نووية محلية، بما فيها تخصيب اليورانيوم المستخرَج من المملكة وإعادة معالجة البلوتونيوم. وفي أعقاب مقتل خاشقجي، دفعت مجموعة مؤلفة من الحزبين باتجاه انسحاب الولايات المتحدة من هذه المفاوضات. إلا أن الرياض قد تتمكن من الحصول على معظم التكنولوجيا المطلوبة من ممولين آخرين، إن لم تحصل عليها كلها. وتوضح المفاوضات النووية مع السعودية بشكلٍ ممتاز الهوة في الأولويات التي تفصل الرؤيتين الأمريكيتيْن للسياسة الخارجية. فيريد معظم الديمقراطيين وبعض الجمهوريين استخدام السياسة الخارجية لتحقيق أهداف شاملة ومتماسكة متعلقة بالسياسات بناءً على تعزيز نظام دولي قائم على القواعد، ولن يرغبوا بالتالي في مساعدة أي مشروع سعودي خاص بالطاقة النووية من دون التزامات ذات “معيار ذهبي” من الرياض. ويحتفظ ترامب وحلفاؤه بوجهة نظر تجارية أكثر تعتبر أنه إذا تواجد منافسون يريدون أخذ العقود، ما من سببٍ وجيه لتحرم الولايات المتحدة نفسها من الربح بسبب لفتة فارغة فعليًا.
استفتاء على “أمريكا أولًا؟”
قد تساعد الانتخابات النصفية على توضيح ما إذا كانت رؤية ترامب التي تحمل عنوان “أمريكا أولًا” تكسب تأييد الناس أو تخسره، وتُظهر بالتالي فرص نجاح هذه الرؤية على المدى الطويل كقوة دافعة في السياسة الأمريكية الخارجية. لكن يبدو أن القرار الذي لن يصدر بالإجماع، والذي سيترك للديمقراطيين إمكانية السيطرة على المجلس وللجمهوريين إمكانية تفوق بسيطة في مجلس الشيوخ، سيكون المصير الذي بدأت تتشكل ملامحه. ولن يؤدي ذلك إلى حسم الأمور، بل سيُرجئ تصفية الحسابات بشكلٍ أشمل إلى عام 2020. وسترجو عدة حكومات عربية في الخليج على الأرجح أن يكون أداء الجمهوريين قويًا، لكن التاريخ يُظهر أن باستطاعتها أيضًا أن تعمل بشكلٍ جيد مع الديمقراطيين. إلا أن استعداد بعض دول الخليج العربية، لا سيما السعودية، إلى السماح لنفسها بأن تصبح على صلة وثيقة بترامب وسياساته في ذهن عامة الناس جعل من مصالحها إسفينًا منحازًأ بشكلٍ فائق وغير منطقي. وعلى عكس إسرائيل، لا تتمتع دول الخليج العربية ببنية قوية من الدعم المستقل من النظام الأمريكي للدفاع عنها ضد أي هجمات حزبية ناتجة. ومهما كانت نتيجة هذه الانتخابات بشكلٍ خاص، يُنصَح بأن تتقرب دول الخليج العربية هذه من الديمقراطيين بعد أن أصبحت على صلة وثيقة مع الجمهوريين في حقبة ترامب، وذلك في سبيل مصالحها الخاصة طويلة الأمد.