الحكومة العُمانية تدخل سباق الاستعداد لمستقبل ما بعد النفط. منذ اكتشاف النفط في ستينيات القرن الماضي، اعتمد اقتصاد السلطنة بشكل كبير على العائدات من صادرات النفط. واستمر هذا الاعتماد الكبير على هذا النحو، ولا تزال عائدات النفط والغاز تشكل 65% من عائدات التصدير، و78.2% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وتشكل 23.5% من الناتج المحلي الإجمالي اعتبارًا من عام 2021. لكن عُمان تمتلك ثاني أصغر احتياطي من النفط والغاز وثاني أصغر اقتصاد بين دول الخليج العربية. وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع لاحتياطيات النفط والغاز العُمانية الحالية أن تنفد خلال أقل من عقدين من الزمن. مثل هذا الجدول الزمني – الذي يتفاقم بسبب التنبؤات بذروة الطلب على النفط التي تلوح في الأفق نتيجة للتدابير المتقدمة للتخفيف من حدة التقلبات المناخية، ويزداد تفاقمًا لتأثره بتقلبات أسعار النفط – يحد من خيارات سلطنة عُمان في عملية التنويع الاقتصادي. بالنسبة لعُمان، يعد التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة مسارًا اقتصاديًا عمليًا وحتميًا نحو مستقبل أكثر استدامة.
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلنت عُمان التزامها بالوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2050، ما حدد توجهًا جديدًا لسياسة الطاقة والنمو الاقتصادي في البلاد. حددت “الإستراتيجية الوطنية للانتقال المنظم إلى خطة الحياد الصفري في سلطنة عُمان” طريقًا لفتح الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والهيدروجين، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات لإزالة الكربون من مصادر الهيدروكربون التقليدية من خلال استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، وحلول الانبعاثات السلبية التي تزيل الانبعاثات من الغلاف الجوي، مثل احتجاز الهواء المباشر والطاقة البيولوجية مع احتجاز الكربون وتخزينه. ويشير اعتماد هذه السياسة الجديدة للطاقة إلى تحول تدريجي من الاقتصاد الريعي القائم على النفط والغاز إلى اقتصاد يحد من سيطرة الحكومة ونفقاتها والملكية العامة.
وضعت رؤية 2040، التي أعلنتها عُمان عام 2019، استراتيجيةً للتنويع الاقتصادي، وذلك في أعقاب نسخة سابقة غطت الفترة من عام 1996 حتى عام 2000، رؤية 2020. وتتمثل الأولوية الرئيسية لرؤية 2040 في إنشاء نموذج اقتصادي يتم فيه التقليل من الاعتماد على الهيدروكربونات.
وفي حين يعود اهتمام الحكومة العُمانية بحماية بيئتها الطبيعية والحياة البرية إلى عام 1974، فإن رؤية 2040 تعد أول خطة تنمية اقتصادية تضع حماية البيئة الطبيعية والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية في قلب الأولويات الوطنية. قال السلطان هيثم بن طارق آل سعيد في خطاب رؤية 2040 بتاريخ 23 شباط/ فبراير 2020:
لقد كان نصب أعيننا – ونحن نعمل على تحديد الأولويات الوطنية التي ستعمل عليها الرؤية المستقبلية – إعادة تشكيل العلاقة والأدوار بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وضمان إدارة اقتصادية فعالة واقتصاد عُماني متطور ومتنوع ومستدام، وتوزيع عادل لمقدّرات التنمية بين المحافظات؛ وحماية مواردنا الطبيعية وبيئتنا المتفردة.
وتتناول رؤية 2040 كذلك الطاقة المتجددة بتحديد هدفٍ لزيادة استهلاك الطاقة المتجددة إلى 20% من إجمالي الطاقة المستخدمة بحلول عام 2030، وإلى ما بين 35% إلى 39% بحلول عام 2040. وتهدف إلى وضع عُمان ضمن أفضل 20 دولة عالميًا على “مؤشر الأداء البيئي“، بما يعد بمثابة ربط لأولويات عُمان الوطنية مع “أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر” للأمم المتحدة.
وفي عام 2019، صادقت عُمان على اتفاقية باريس للمناخ وأصدرت استراتيجية وطنية للتكيف والتخفيف من التغيرات المناخية. في يوليو/تموز 2021، قدمت عُمان مساهمتها الثانية المحددة وطنيًا بشأن التغير المناخي، وتعهدت بتخفيض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة 7% مقارنة بالسيناريو القائم حالياً بحلول عام 2030. وترتبط مساهمة عُمان المحددة وطنيًا بشكل واضح برؤية 2040 واستراتيجية الطاقة الوطنية في عُمان.
تتضمن رؤية 2040 معايير ومؤشرات الأداء الأساسية للتقليل من نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان إلى 16% في عام 2030 و8.4% بحلول عام 2040. علاوة على ذلك، حددت رؤية 2040 هدفًا لرفع إنتاجيتها من الطاقة (الناتج المحلي الإجمالي لكل وحدة طاقة) من 6.92 في عام 2014 إلى 14.57 في عام 2030 و17.3 في عام 2040.
التحول الاقتصادي منخفض الكربون في عُمان
منذ عام 2020، أعلنت الحكومة العُمانية عن عدة مبادرات لدعم تحولها الاقتصادي منخفض الكربون. تم إنشاء مركز عُمان للحوكمة والاستدامة للإشراف على تطوير وتنفيذ استراتيجية الحياد الكربوني. ومن أجل تنسيق استثمارات الطاقة البديلة في السلطنة على نحو أفضل، تم إنشاء شركة تنمية طاقة عُمان في ديسمبر/كانون الأول 2020 بموجب مرسوم سلطاني لفك ارتباط الاقتصاد عن الاعتماد على العائدات الهيدروكربونية. يتناقض هذا التحول مع نموذج أعمال شركة تنمية نفط عُمان المملوكة للدولة، والتي كانت لفترة طويلة مصدرًا كبيرًا لإيرادات الدولة. تتمثل مهمة شركة تنمية طاقة عُمان في وضع آليات بديلة للتمويل تدعم التوسع في مصادر الطاقة المتجددة من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر والمشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم. في عام 2022، أنشأت الحكومة العُمانية شركة هيدروجين عمان للطاقة (هايدروم) التي تركز على الهيدروجين، والمملوكة بالكامل لشركة تنمية طاقة عُمان، وتديرها وزارة الطاقة والمعادن، ومفوضة بتيسير وتنسيق تطوير مشاريع الهيدروجين.
الطاقة المتجددة
لقد حققت عُمان تحولًا سريعًا إلى الطاقة المتجددة، حيث بلغت قدرتها من الطاقة المتجددة المركبة 1005 ميجاوات في عام 2022 مقارنة بميجاوات واحد فقط في عام 2014. وهناك 2700 ميجاوات أخرى قيد التنفيذ. طرحت عُمان هدفها الأول للطاقة المتجددة في عام 2017، بهدف ضمان أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 10% من مزيج الطاقة. قبل ذلك، كان يتم توليد ما يقرب من 100% من الكهرباء في سلطنة عُمان من المواد الهيدروكربونية. وفي عام 2019، رفعت عُمان من مستوى هدفها من الطاقة المتجددة إلى 20% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وما بين 35% و39% بحلول عام 2040؛ وهذا يعني إضافة ما يصل إلى 4000 ميجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2040.
إلى جانب تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق، نفذت الحكومة العُمانية منذ عام 2017 سياسات تمكن أصحاب المنازل والمنشآت الصناعية والتجارية من إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، وبيع الفائض لشركات توزيع الكهرباء. وفي مشروع معروف محليًا باسم “ساهم”، تعمل شركات التوزيع كوكلاء وتقوم بشراء الكهرباء التي يتم توليدها بالطاقة الشمسية من المستهلكين عبر آلية صافي القياس، التي تسمح بالتعويض عن الكهرباء المولدة من الألواح الشمسية الكهروضوئية على الأسطح. بالإضافة إلى ذلك، وعلى نطاق المرافق، بدأ تشغيل مشروع مزرعة رياح بقدرة 50 ميجاوات في جنوب عُمان في عام 2019. وفي عام 2022، دشنت عُمان محطة للطاقة الشمسية بقدرة 500 ميجاوات في عبري. ويعد المشروع محطة مستقلة لإنتاج الطاقة تم منحها إلى ائتلاف تقوده شركة الطاقة النظيفة السعودية أكوا باور (ACWA Power) بعد مناقصة تنافسية دولية.
مشاريع الطاقة المتجددة قيد التخطيط حالياً في عُمان
الهيدروجين
تصدر إنتاج الهيدروجين، وتحديدًا الهيدروجين الأخضر الناتج عن الطاقة المتجددة، أجندة الحكومة في جهودها لتطوير مصادر الطاقة النظيفة واستحداث مصادر دخل بديلة. منذ عام 2020، تم إنشاء العديد من المشاريع واسعة النطاق المتعلقة بالهيدروجين، وتم وضع استراتيجية وطنية لاقتصاد الهيدروجين، بهدف بناء اقتصاد قائم على الهيدروجين بحلول عام 2040 مع إمكانية إنتاج الهيدروجين النظيف بحوالي واحد جيجاوات بحلول عام 2025، و10 جيجاوات بحلول عام 2030، و30 جيجاوات بحلول عام 2040، لاستغلال موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة.
مشاريع الهيدروجين المخطط لها في عُمان
ومن أجل تسريع التقدم في صناعة الهيدروجين في عُمان، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حددت الحكومة مواقع لإنتاج الهيدروجين في الدقم وظفار والجزير على طول الساحل الجنوبي الغربي. تم تخصيص أكثر من 19000 ميل مربع من الأراضي لتطوير طاقة الهيدروجين. هذه المساحة من الأرض لديها القدرة على إنتاج 25 طنًا متريًا من الهيدروجين سنويًا (بقوة 500 جيجاوات من الطاقة المتجددة)، وتقع هذه المواقع بالقرب من مراكز صناعية مشتركة، الموانئ على وجه التحديد، مثل الدقم وصلالة وصحار، التي يمكن تصدير الهيدروجين منها.
في أواسط شهر مارس/آذار، تم طرح العطاءات العامة الأولى لقطع الأراضي الأولى، ما أسفر عن إرساء العطاء على ستة مشاريع هيدروجينية بقيمة 20 مليار دولار. وفي تقرير خاص، كشفت وكالة الطاقة الدولية أن سلطنة عُمان لديها الإمكانية لأن تصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين على مستوى العالم، والأكبر في الشرق الأوسط بحلول عام 2030.
التحديات المستقبلية
إطلاق العنان للاقتصاد العُماني منخفض الكربون يتطلب التغلب على التحديات المؤسساتية والمالية وتحديات القدرات البشرية.
وفي حين أن إزالة الكربون اقتصاديًا أمر أساسي لتحقيق أهداف رؤية 2040 لسلطنة عُمان، إلا أنها عملية متطورة ولا تزال مُجزأة. تشرف وزارة الطاقة والمعادن وهيئة تنظيم الخدمات العامة على تطوير مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين، ووضع الأنظمة والسياسات لجذب الاستثمارات، واستغلال موارد الطاقة النظيفة. ومع ذلك، فإن وزارة الاقتصاد والوزارات الأخرى ذات الصلة لا تشارك بشكل مباشر، ما يؤدي إلى تأخير المصادقة على المشاريع الجديدة.
تعتمد عُمان بشكل كبير على واردات التكنولوجيا بدلاً من اعتمادها على المواهب المحلية في مجال البحث والتطوير. وفي عام 2020، بلغ معدل الاستثمار في البحث والتطوير في عُمان 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 2% إلى 3% في الدول الصناعية. يعد الرقم 0.2% أقل بكثير من النسبة المئوية الدنيا (1%) اللازمة لقاعدة علمية وتكنولوجية فعالة حسب ما حددته اليونسكو. إن رؤية 2040، في الحقيقة، تعتبر دعم البحث والابتكار أمرًا أساسيًا، وتضعه ضمن الأولويات الوطنية لسلطنة عُمان، بهدف تحسين تصنيف عُمان في مؤشر الابتكار العالمي.
تتطلب التكلفة والمستوى اللازمان للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون تمويلاً مستقلاً عن عائدات النفط وميزانية الدولة. وسوف يتطلب ذلك استثمارًا مباشرًا محليًا وأجنبيًا، مؤسساتيًا وخاصًا، ودوراً أكبر للقطاع الخاص. وفي الواقع، أصدر بنك مسقط، المصدر الأساسي للخدمات المالية في سلطنة عُمان عام 2019، أول مخطط للتمويل الأخضر في البلاد لدعم تركيب الألواح الشمسية على الأسطح.
وعلى الحكومة أيضًا إصلاح سياساتها الاجتماعية التي سمحت للمواطنين بالاستفادة من الإنفاق الحكومي السخي، بما في ذلك الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى الدعم السخي للوقود والطاقة والغذاء. ولا بد من إدارة التحول الاقتصادي بطريقة لا تسبب توترات اجتماعية. ومع انخفاض قيمة أصول الوقود الأحفوري، قد لا تصبح الحكومة قادرة بعد الآن على الحفاظ على برنامج الدعم الاجتماعي، وقد تضطر إلى تخفيض الدعم أو تقليصه لجميع الخدمات، وزيادة تكلفة هذه الخدمات بطريقة تعكس أسعارها الحقيقية. وقد تلجأ أيضًا إلى خصخصة الشركات والخدمات المملوكة للدولة، وإدخال نظام ضريبي من شأنه أن يولد مصدرًا جديدًا للدخل غير النفطي، خاصة من القطاع الخاص المتنامي.
في مارس/آذار، قامت شركة أوكيو، وهى شركة عالمية متكاملة تعمل في مجال الطاقة في عُمان، بخصخصة وحدة الحفر لديها، شركة أبراج لخدمات الطاقة، والتي جمَّعت مبلغ 244 مليون دولار. وفي سبتمبر/أيلول، أعلنت شركة أوكيو أنها ستطرح حصة من الأسهم تمثل 49% من شركة خطوط أنابيب الغاز الخاصة بها، والتي من المتوقع أن تجمع ما يقارب 800 مليون دولار. وتجري حاليًا عملية خصخصة أصول الطاقة الحكومية، والتحوّل في أحد قطاعات الاقتصاد العُماني الحيوية.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.