ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
ظاهريا، يبدو أن رد فعل اليمن حول الأزمة الخليجية، التي قطعت فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، واضحا إلى حدّ ما: ففي الخامس من حزيران أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا قطع العلاقات مع قطر، متهمةً إياها بدعم الحوثيين والجماعات المتطرفة التي تتخذ من اليمن مقرًّا لها. وتم طرد القوات القطرية المسلحة من التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين وأنصارهم من أجل إرجاع الحكومة اليمنية. إلاّ انه في الواقع، فإن الوضع أكثر تعقيدًا، فقد جعلت الأزمة الصراع المعقد أصلاً في اليمن أشدَّ تعقيدًا. ومن المؤكد أن الأزمة أظهرت بعض التناقضات التي تواجه الرباعية المناوئة لقطر، وفاقمت الأزمة الوجودية التي يواجهها حزب الإصلاح اليمني المرتبط بالإخوان المسلمين، وهو تاريخيًا أقوى الأحزاب السياسية في هذا البلد.
ولا تزال الأزمة الأخيرة بعيدة عن المرة الأولى التي حظيت فيها سياسة قطر في اليمن بالاهتمام، فقد لعبت قطر دورًا مهمًا في التوسط بين الحكومة اليمنية والحوثيين في عامي 2007 و2008، واستضافت في الدوحة محادثات لوقف إطلاق النار وعرضت تمويل عملية إعادة بناء محافظة صعدة المدمّرة آنذاك (كما هي الآن). وفيما لقيت المحادثات ترحيبًا من قبل الكثيرين في المجتمع الدولي، فإنها أثارت عدم الثقة، وربما الغضب، لدى الرئيس اليمني حينئذٍ علي عبد الله صالح، الذي كان يخشى من تواطؤ القطريين مع الحوثيين لمعارضة حكمه. هذه التوترات بين صالح وقطر وصلت إلى ذروتها في عام 2011، عندما دعمت قطر بشكل صريح الانتفاضة اليمنية المعارضة للحكومة والمستوحاة من الربيع العربي. ومع ذلك، ففي أعقاب أزمة الخليج في عام 2014، حين سحبت البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سفراءها من قطر للاحتجاج على الكثير من السياسات نفسها التي عجّلت في اندلاع الأزمة الحالية، وبعد إطلاق عاصفة الحزم، العملية العسكرية بقيادة السعودية الهادفة إلى دحر سيطرة الحوثيين الفعلية على اليمن، بدا واضحًا أن قطر التزمت بالإجماع الخليجي حول اليمن، ونشرت جنودها للخدمة في التحالف تحت قيادة السعودية -بمن فيهم ستة أصيبوا في القتال على الحدود اليمنية-السعودية بالتزامن تقريبًا مع اندلاع الأزمة الأخيرة- في الوقت الذي تستضيف فيه مؤتمرات إنسانية مدعومة من التحالف، ووفرت الدعم لعمليات التحالف عبر وسائل الإعلام التابعة لها، كما قدمت الحكومة القطرية مساعدات سخية لليمن، قبل ومنذ عام 2011.
وعلى الرغم من هذا الدعم، فإن الحكومة اليمنية التي تتخذ من الرياض عمليًا مقرًا لها سرعان ما سقطت بخط الرباعية والتزمت بقرارها، رغم أن الحكومة القطرية كانت حتى فترة قريبة تدفع رواتب وزارة الخارجية اليمنية. وفي عدة حالات، قام مسؤولون تابعون للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتحول بين عشية وضحاها من ضيوف دائمين على قناة الجزيرة، إلى منددين بها بصفتها وسيلة دعاية إرهابية.
وليس مفاجئًا أن الاستثناء الأبرز جاء من أولئك التابعين لحزب الإصلاح، الذي يضم الجزء الأكبر من جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. فحزب الإصلاح المناوئ بشدة للحوثيين، والذي كانت له علاقات طويلة الأمد مع كل من قطر والسعودية، تُرك في موقف محرج وأطلق عددًا كبيرًا من الرسائل المتباينة التي أدت إلى خلق انقسامات مكشوفة في الحزب. في الماضي عبر الحزب عن موقفه بحريّة من الأحداث الخارجية، فقد نظم تظاهرات حاشدة دعمًا للرئيس المصري محمد مرسي، واحتجاجًا على الإطاحة به من قبل الجيش المصري. ورفعت في التظاهرات المدعومة من حزب الإصلاح في عام 2011 بشكل متكرر لافتات الامتنان لقطر على دعمها الانتفاضة المعارضة للحكومة اليمنية. وفي هذا الصدد، يعكس هذا الهدوء النسبي تزايد ضعف حزب الإصلاح: فوجوده تحت الحصار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وداعمو الانفصال في الجنوب، زاد من اعتماد الحزب على الداعمين الخارجيين. وفيما أيد العديد من أعضاء حزب الإصلاح البارزين قطر صراحةً في الخلاف، لا سيما الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، فإن الكثيرين من عرابي الحزب اليمني التقليديين- مثل نائب الرئيس علي محسن الأحمر، القائد العسكري القوي- نأوا بأنفسهم عن الحزب، وقلّص العديد من قادة الحزب علاقاتهم مع الإخوان المسلمين. وباختصار، فقد أدت الأزمة إلى تفاقم الانقسامات الطويلة الأمد المتعلقة بالأجيال والأقاليم والأيديولوجيا داخل الحزب، والتي كانت مستفحلة بسبب المسارات السياسية المتباينة للركيزتين الأساسيتين للحزب في المنفى، تركيا والسعودية.
وأثبتت الأزمة الحالية بشكل غير مفاجئ, أنّها جاءت نعمة لخصوم حزب الإصلاح والإخوان المسلمين في اليمن، ففيما عبّر قادة حوثيون بارزون عن تعاطفهم مع قطر، دعم صالح ومؤيدوه صراحة تحرك الرباعيّة لعزل قطر، ما يعكس عداءهم للإمارة بسبب دعمها انتفاضة عام 2011. وفي تظاهرة نظمت بعيد اندلاع الأزمة أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تربطه علاقات وثيقة بالإمارات العربية المتحدة, أنّ حركة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية, وهي خطوة تتماشى مع القمع المتصاعد لأنشطة حزب الإصلاح في الجنوب الذي كان مستقلاً في الماضي. إلا أن حزب الإصلاح لم يكن هو الوحيد المتضرر، فقد أدرجت الرباعية التي تصف نفسها بالمناهضة للإرهاب الأمين العام لحزب اتحاد الرشاد اليمني السلفي، عبد الوهاب الحميقاني على لائحة الإرهابيين، ولم تكن هذه الخطوة مفاجئة، فهو مدرج على قائمة وزارة الخزانة الأميركية للإرهابيين، لكن الأمر كان محرجًا بشكل لا يمكن إنكاره لتواجده المتكرر في الرياض، ولموقعه الحالي مستشارًا لهادي. لقد ساعدت مثل هذه القرارات على إبراز الانقسامات بين القوات المناوئة للحوثيين، لا سيما أن التوترات الطويلة الأمد بين حزب الإصلاح والإمارات العربية المتحدة تصاعدت لتصبح حربًا كلامية مفتوحة، وانعكست في التقارير المتزايدة عن حالات مزعومة حول عمليات احتجاز وتعذيب خارج نطاق القانون من قبل القوات التابعة للإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن.
وفيما تبدو قضية قطر ظاهريًا شأنًا مرتبطًا بالعلاقات الخارجية، فقد كان لها بالفعل تأثير كبير على الديناميكيات السياسية الداخلية في اليمن، وقد تستمر في ذلك طالما استمرت الأزمة. إن تدهور وضع اليمن في الحرب الأهلية أدى إلى زيادة قابليته لعدم الاستقرار الناجم عن التحولات الجيوسياسية الإقليمية، بل إن هذا الضعف أكثر تعقيدًا من أزمة الخليج الحالية، وقد يؤدي إلى تعقيد أية جهود سلام وليدة، ما يترك اليمن عرضة لخطر أن يصبح ساحة معركة للمصالح الإقليمية في السنوات القادمة.
آدم بارون هو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.