في الآونة الأخيرة، نُشرِت عدد من المقالات تتناول موضوع دول الخليج العربية وإسرائيل، تذهب إلى أن هناك ثمّة تطابق كبير في التصورات بين الطرفين تجاه الخطر الإيراني؛ وأن هناك تنسيقا أمنيا سريا متزايدا فيما بينهم ضدّ إيران؛ وأن هذه البلدان اتخذت خطوات متواضعة لتحقيق التطبيع في العلاقات. وترى هذه المقالات بأن الخطر الإيراني يجعل من إسرائيل حليفا ضروريا أو ملائما لدول مجلس التعاون الخليجي، كون أن إسرائيل تشترك مع دول المجلس بنفس التصورات من جهة التهديد الأمني، ولأنها تمتلك القدرات العسكرية والتقنية والاستخباراتية الضرورية التي تجعل من أي تنسيق ولو كان خفيّا مع دول الخليج مفيدا جدا لجهود هذه الأخيرة في مواجهة إيران. وسيكون لمثل هذا التقارب، بحسب هذا الرأي، تأثيرات إيجابية على عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية.
وبما أنه لا توجد سياسة خارجية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن النظر بشكل رئيسي لكل من السعودية واسرائيل، سيوضح بأنه لا يوجد تقاطع حقيقي في المصالح فيما بينهما، وأن التقارب مع إسرائيل سيكون مضرّا للسعودية في صراعها مع إيران، وأنه لا منفعة فعلية منه. إضافة لذلك، سنجد أن تبني سياسات متشددة تجاه إسرائيل سيكون أكثر فائدة لمواجهة إيران، وكذلك، وبشكل أهم، لاسترداد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
اختلافات في تصوّر التهديد
في حين أن السعودية تعتبر إيران تهديدا لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وترى أن الحفاظ على الوضع القائم يمثّل بالنسبة لها أولوية استراتيجية، فإن إسرائيل تعتبر إيران تهديدا لأمن نظامها هي فحسب. وتدفع هذه الاختلافات في تصوّر التهديد السعودية إلى تبنيها لسياسات لا تبرر تقاربا في العلاقات مع إسرائيل. ويتضح ذلك عند مقارنة موقفي البلدين المتعارضين تجاه استراتيجيتين رئيسيتين تتبعهما إيران في سعيها نحو الهيمنة الإقليمية.
أولا، كلا الدولتين لديهما موقف مختلف تجاه سعي إيران لامتلاك السلاح النووي. ففي الوقت الذي تفضّل فيه السعودية شرقا أوسطيا خال من الأسلحة النووية، نجد إسرائيل تسعى لأن تكون القوّة النووية الوحيدة في المنطقة. وانطلاقا من الوعي بخطر كل من إسرائيل وإيران النووي على استقرار المنطقة، فقد جرت العادة أن يربط المسؤولون السعوديون رفضهم للمشروع النووي الإيراني برفض مماثل للأسلحة النووية الإسرائيلية. وهذا الموقف تم اعلانه عدة مرات على لسان كبار المسؤولين في المملكة بدءا بتصريح وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل في مؤتمر صحفي في عام 2010 في لندن، وانتهاءً بكلمة نائب المندوب الدائم للسعودية في الأمم المتحدة في عام 2015.
وتتجلى هذه التصورات المختلفة أيضا في حالة استراتيجية إيران التي استقرار المنطقة والمتمثلة بإضعاف الدول العربية وتشكيل ميليشيات طائفية موالية لها. فبالنسبة لإسرائيل، فإن هذه الاستراتيجية تعتبر تهديدا فقط في حال شكّلت خطرا مباشرا على أمن نظامها. أما في غير هذه الحالة، فإن موقفها إما غير مبال أو مستفيد بشكل غير مباشر. وبحسب كلام أحد المحللين، فإن الحرب الأهلية بين الأطراف المختلفة في سوريا “تخدم مصالح إسرائيل لأنها تقلل من احتمالية قيام أي من هذه الأطراف… باستفزاز إسرائيل”. بالإضافة لذلك، فإن إسرائيل، وبشكل مشابه لإيران، تتصرف كقوّة مهددة للمنطقة. فعلى سبيل المثال، لا تزال إسرائيل تحتل أراض عربية (فلسطينية، وسورية، ولبنانية) وتشن هجمات على لبنان وسوريا دون أي اعتبار للقانون الدولي، وسيادة الدول المجاورة، والاستقرار الإقليمي.
مواقف ثابتة للسعوديين تجاه إسرائيل
وظّف غالب المدافعين عن التقارب السعودي-الإسرائيلي انطباعات عامة مأخوذة من وسائل التواصل الإجتماعي، فضلا عن تصريحات لشخصيات غير رسمية للخروج بتعميمات واستنتاجات شاملة عن وجود مباركة للمجتمع السعودي مفترضة لسياسة أكثر إيجابية تجاه إسرائيل. إلا أن استطلاعات الرأي العام تكشف عن حقيقة أخرى. فعلى سبيل المثال، ظهر في آخر نسخة من المؤشر العربي أن 81 بالمئة من السعوديين يرفضون أن تعترف بلادهم بإسرائيل.
بالإضافة لهذا الرفض الشعبي، فإن الموقف الرسمي للمملكة هو عدم الاعتراف بإسرائيل حتى تقبل بمبادرة السلام العربية المقدمة عام 2002 والتي تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من كافة الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، والتوصل لحلّ عادل لقضيّة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة واستقلال وتكون عاصمتها القدس. هذا الموقف الرسمي لم تنفك الحكومة السعودية عن التأكيد عليه بشكل مستمر، وتجلى ذلك مؤخرا في البيان الختامي للقمة العربيّة الأخيرة في الأردن، حيث أكد الزعماء العرب، بما فيهم السعودية، على هذا الموقف.
إسرائيل تعتبر عائقا أمام تطوّر قدرات السعودية العسكرية
يرى بعض المدافعين عن التقارب السعودي-الإسرائيلي بأنه سينفع السعودية عسكريا. إلا أن هذا مستبعد. فعلى الرغم من كون الولايات المتحدة الحليف الرئيسي للمملكة العربية السعودية والمزوّد الأول للأسلحة، فإن اتفاقيات الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل تؤثر سلبيا على قدرة المملكة من الانتفاع الكامل من حليفها الأمريكي. ففي عام 2008 مرر الكونجرس الأمريكي قانونا أشترط على أن أي صفقة أسلحة إلى أي دولة في الشرق الأوسط ما عدا اسرائيل يجب أن يتضمن على ضمانة من أن هذه الصفقة لن تلحق الضرر بالتفوق النوعي العسكري لإسرائيل. ويعرّف القانون مصطلح (التفوق العسكري النوعي) بأنه قدرة إسرائيل ”على ردع أو هزيمة أي تهديد عسكري تقليدي من دولة واحدة من الشرق الأوسط أو تحالف من الدول.… وذلك عبر استخدام قدرات عسكرية متفوقة مستحوذ عليها بشكل كاف… والتي تكون بخصائصها التقنية متفوقة في قدرتها على تلك التي تتوفر عليها دولة أو تحالف محتمل من الدول“. ونتيجة لمثل هذا القانون، سعت إسرائيل ومجموعات الضغط التابعة لها في واشنطن بشكل مستمر على جعل حصول السعودية على أحدث التقنيات العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية صعبا، وكذلك كثيرا ما يتم تأخير صفقات السعودية لصالح المزيد من المراجعة الدقيقة. ومؤخرا، أعرب عدد من المسؤولين الإسرائيليين عن قلقهم وعدم ارتياحهم من الصفقة العسكرية التي أعلن عنها بين السعودية والولايات المتحدة والتي تقدر قيمتها بـ 110 مليار دولار. ونظرا لكون إسرائيل جعلت من الصعب على السعودية الاستفادة عسكريا من حليف مشترك بينهما وذلك لحماية تفوقها العسكري النوعي، فإنه من المستبعد جدا أن يؤدي أي تقارب بين البلدين إلى تغيير موقف إسرائيل من هذا الهدف الاستراتيجي.
فوائد اتباع سياسات أكثر تشددا ضد إسرائيل
منذ اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل أكثر من عقدين ومساعي السلام تبوء بالفشل بشكل مستمر. نتيجة لذلك، يشعر كثير من المحللين أن حل الدولتين وهم، عازين ذلك إلى الرفض الإسرائيلي. ففي كل مرّة يتقدّم فيها العرب بمبادرة للسلام، يكون الردّ الإسرائيلي مزيدا من الإستيطان، ومزيدا من الحصار على غزّة، ومزيدا من السياسات العنصرية والقمعية التي تجعل أي فرصة للسلام مستحيلة. إن الوضع الحالي لعملية السلام لا يمكن تغييره بالتقارب مع الطرف الأقوى الذي ليس لديه مصلحة في تقديم أي تنازلات، بل بتقوية الطرف الأضعف وتحسين قدرته على المساومة من أجل إجبار الطرف الأقوى على الخضوع لحلول عادلة.
لن يؤدي تبني سياسات متشددة ضد اسرائيل وداعمة للفلسطينيين إلى زيادة تحقق السلام فقط، بل إنه سيساهم في تدعيم شرعية السعودية العربية والإسلامية. فنظرا للدعم الهائل الذي تحظى به القضية الفلسطينية بين العرب والمسلمين، فإنه كلما قامت دولة عربية أو إسلامية بدعم الفلسطينيين بهدف نيل حقوقهم الوطنية كلما أزدادت سماتها “العربية” و”الإسلامية” شرعية. إن الحفاظ على هذه الشرعية يعتبر من ضمن المصالح الرئيسية للمملكة العربية السعودية، وذلك لأن أرضها هي موطن العرب الاصلي ومهد الإسلام وبلاد المدينتين المقدستين. وهذه المصلحة الاستراتيجية تم التشديد عليها في خطة التغيير الاستراتيجية التي أصدرتها السعودية باسم رؤية 2030. فأول ركن من أركان الرؤية الثلاثة هو “مكانة [المملكة] بمثابة القلب في العالمين العربي والإسلامي”. أي تقارب مع إسرائيل -التي تحتل أراض عربية ومدن إسلامية مقدسة عزيزة على قلوب الشعوب العربية- سيؤثر بشكل سلبي على تحقيق مثل هذا الهدف. كما أن التقارب مع إسرائيل سيُعرّض السعودية لمزيد من التهديدات الإرهابية على يد مجموعات كالقاعدة وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) واللتين دائما ما تذرعتا بفشل السعودية في دعم القضية الفلسطينية بشكل فعال لتبرير هجماتها ضد المملكة.
أخيرا، إن الشرعية التي تأتي من رفض التعاون مع إسرائيل ستساعد أيضا في تقليص حجم النفوذ الإيراني في المنطقة. وأدى الدعم الإيراني لحركات التحرر الفلسطينية إلى كسبها احتراما بين شعوب المنطقة. وأفضل طريقة للمملكة العربية السعودية لمواجهة ذلك هو باستعادة الدور العربي في دعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وسد الطريق أمام إيران من استغلال القضية الفلسطينية. وهذا يعني أن مزيدا من السياسات المتشددة ضد إسرائيل ومستوطناتها وحصارها لغزة واحتلالها للأراضي العربية ومزيدا من الدعم للقوى الفلسطينية سيكون جوهريا لمواجهة إيران.
خاتمة
ليس من مصلحة السعودية (أو حتى أي دولة خليجية) التقارب مع إسرائيل لأنه لا يوجد مصلحة منه توازي حجم التكلفة والخسائر المترتبة عليها. إن مصالح السعودية في تحقيق السلام في المنطقة، وتخليصها من الأسلحة النووية، واستعادة استقرار ورفاهية الدول العربية، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن تحقيقها عبر التقارب مع إسرائيل. على العكس من ذلك، لن يؤدي هذا التقارب إلا إلى عزل السعودية من المنطقة وإضعافها بشكل عام.
سلطان العامر، هو طالب سعودي يدرس الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن.
لؤي اللاركيا، زميل دراسات عليا في قسم العلوم السياسية في جامعة هيوستن.