بات بإمكان دول الخليج العربية أن تتنفس الصعداء حيال تزايد حدة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعد مرور عام على توقيع “خطة العمل المشتركة الشاملة”، التي تُعرف أيضًا بالاتفاق النووي الإيراني. ففي نهاية المطاف، كانت دول الخليج العربية مقتنعة أن “خطة العمل المشتركة الشاملة” ستشكل فرصة ذهبية لإيران للخروج من محنتها، وستضع حدًا لعزلة إيران الدولية وستمكّن واشنطن وطهران من طوي صفحة العداء الذي امتد على أكثر من ثلاثة عقود، وإن كانت هي التي ستدفع الثمن غاليًا.
بات بإمكان دول الخليج العربية أن تتنفس الصعداء حيال تزايد حدة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعد مرور عام على توقيع “خطة العمل المشتركة الشاملة”، التي تُعرف أيضًا بالاتفاق النووي الإيراني. ففي نهاية المطاف، كانت دول الخليج العربية مقتنعة أن “خطة العمل المشتركة الشاملة” ستشكل فرصة ذهبية لإيران للخروج من محنتها، وستضع حدًا لعزلة إيران الدولية وستمكّن واشنطن وطهران من طوي صفحة العداء الذي امتد على أكثر من ثلاثة عقود، وإن كانت هي التي ستدفع الثمن غاليًا.
تشير كافة الأدلة حتى هذه الساعة أن ما من سبب يدعو هذه الدول للقلق. فالخطاب الصادر عن طهران حول الولايات المتحدة ونوياها شديد اللهجة كما في أي وقت مضى. وأطلقت الرصاصة الأخيرة في الأول من آب/أغسطس عندما هاجم المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الاتفاق النووي الإيراني، إذ شدد على أنه “قد أثبت أن التفاوض مع الأمريكيين عديم الجدوى، وأنهم لا يفون بوعودهم فمن الضروري عدم أخذ الوعود الأميركية على محمل الجد.”
وبحسب وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، قرر خامنئي أن السبب الرئيسي لعدم تجاوب المستثمرين الدوليين على قدر كاف من الحماسة مع الفرصة التي سنحت لهم أن يذروا أموالهم في إيران بعدما رُفعت العقوبات الاقتصادية الرئيسية يعود إلى أن “الولايات المتحدة تخلف بوعودها، وفيما تعبر عن آرائها بهدوء وبلطف، تنشغل في عرقلة العلاقات الاقتصادية التي تربط إيران بدول أخرى وتقويضها.”
وأتت تعليقات خامنئي على أعقاب الملاحظات التي أدلى بها رئيس البرلمان الإيراني علي لارجاني في منتصف شهر حزيران/يونيو، حين انتقد بدوره الالتزام الأمريكي بالاتفاق النووي، محذرًا “الإدارة الأمريكية ومجلس النواب ومجلس الشيوخ أن الجهود التي يبذلونها لتقويض الاتفاق النووي قد بلغت حدًا لم يترك لإيران مفرًا من المواجهة.”
إن السبب المباشر الذي أدى إلى إثارة حفيظة لارجاني يعود إلى الإجراءات التي اتخذها مجلس النواب الأمريكي في تموز/يوليو لعرقلة عملية شراء إيران و/أو استئجارها لما لا يزيد عن مئة طائرة بوينغ، وكانت هذه الصفقة، التي قد تبلغ قيمتها المحتملة 20 مليار دولار، لتعتبر أضخم صفقة تجارية تعقد بين الولايات المتحدة وإيران لحوالى أربعين عامًا. وأعرب المعترضون على صفقة البيع عن تخوفهم من استخدام الطائرات لأغراض عسكرية، وكون إيران ما زالت، بشكل عام، دولة ممولة للإرهاب لذا يتعين ألا تعقد الشركات الأمريكية أي صفقة تجارية معها. ولم يتخذ مجلس الشيوخ بعد أي تدبير في هذا الصدد.
وتوالت خيبات الأمل في طهران منذ أن دخلت “خطة العمل المشتركة الشاملة” حيّز التنفيذ في شهر كانون الثاني/يناير وتم رفع معظم العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران مقابل تعليق إيران لأنشطتها التي قد تساهم في تطوير سلاح نووي. والجدير بالذكر أنه تم رفع معظم العقوبات وليس كلّها. فلا تزال مجموعة كبيرة من العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب التي ترتبط بمسائل لا تمت بصلة إلى الاتفاق النووي نافذة، مما دفع العديد من البنوك الدولية إلى التفكير مليًا قبل أن تعقد أي صفقة تجارية مع إيران من شأنها أن تتعارض عن غير قصد مع واشنطن.
ولذلك، بذلت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قصارى جهدها لتؤكد للمستثمرين المحتملين، على غرار ما أدلى به وزير الخارجية جون كيري في شهر أيار/مايو، أن “إيران قادرة على إبرام أي عقد تجاري”. وفي الواقع، يبدو أن الكثير من المستثمرين قد أعاروا هذه الرسالة اهتمامًا. وبحسب ما جاء في صحيفة فاينانشال تايمز، نما الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران بسرعة كبيرة منذ أن رفعت العقوبات هذه السنة، إذ انتقلت إيران من المركز الثاني عشر إلى المركز الثالث لدول الشرق الأوسط التي تشكّل وجهات للاستثمار الأجنبي المباشر، ولا تسبقها سوى الأنظمة الاقتصادية الراسخة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وعلى نحو مماثل، تشير كافة الأدلة إلى أن الاتفاق النووي، على غرار ما قاله الرئيس أوباما في 14 تموز/يوليو في الذكرى السنوية الأولى لتوقيعه، “قد نجح في إضعاف البرنامج النووي الإيراني، مما يسمح بتجنب المزيد من الصراعات ويجعلنا ننعم بالمزيد من الأمن.”
فلم يتعرض الاتفاق لهذا الكم من الانتقادات؟ يعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى أن الاتفاق مثقل بتطلعات الفريقين غير المستوفاة وغير الصائبة. يدعي النقاد الأمريكيون أن الاتفاق قد فشل في كبح الدعم الإيراني للمجموعات الإرهابية فيما، لم يكن في الواقع معدًا على الإطلاق لتحقيق هذه الغاية ويعجز عن معالجة بعض القضايا كقضية الإرهاب. ولا يقصد بذلك أن الإدارة قد غضت الطرف عن سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، إلا أن هدفها الوحيد من الاتفاق يتمثل بحرمان النظام في طهران من الحصول على أقوى الأسلحة في العالم. أو، كما جاء على لسان متحدث باسم البيت الأبيض، في أيار/مايو، “تقل خطورة دعم إيران للإرهاب كثيرًا إن لم تمتلك سلاحًا نوويًا في الخفاء.”
وفي الوقت عينه، ومن الجانب الإيراني، لقد تمت المبالغة في تقدير مكاسب هذا الاتفاق الاقتصادية، فتعلقت الآمال حول تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد عند رفع العقوبات الدولية. وعزز الرئيس الإيراني حسن روحاني هذه المغالطة إذ شدد على أن طهران قد حققت من المفاوضات “ما يفوق التوقعات” بخصوص الملف النووي. ولا يمكن اعتبار بأي شكل من الأشكال أن العقوبات الأمريكية المتبقية تشكل العقبة الوحيدة التي تعترض الاستثمار في إيران. فكثيرة هي الشركات الغربية التي لا تزال تحجم عن الاستثمار في إيران لأسباب أخرى كثيرة، كالفساد المستشري والنظام المصرفي الذي يفتقر للشفافية وسوق العمل غير المرن.
فهل تُنذر كل هذه المعوقات بأن الاتفاق النووي على وشك الانهيار؟ على الأغلب كلا. ففي نهاية المطاف، يصعب كثيرًا دحض اتفاق يبدو أنه يفلح في منع إيران من تطوير سلاح نووي لعشر سنوات أو خمس عشرة سنة، إلا أنه من المرجح أن يستمر منتقدوه في الكونجرس الأمريكي في المحاولة. وكذلك، سيستشيط القادة السياسيون الإيرانيون المتطرفون غضبًا من عيوب الاتفاق، ولكن عندما يُنعش الاستثمار الأجنبي اقتصاد البلاد المتداعي فلن يكون بوسع هؤلاء اتخاذ خطوات من شأنها أن تعيد إيران إلى وضعها السابق خوفا من أن يثيروا رد فعل سلبي في صفوف المواطنين.
وفي نهاية المطاف، يجب أن تشكل النتيجتان المتمثلتان بجعل إيران خالية من الأسلحة النووية وبدمجها أكثر فأكثر بالاقتصاد العالمي، قاعدة متينة يبنى عليها مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا للمنطقة. وكذلك، يجب أن يطمئن استخدام واشنطن المستمر للنفوذ الاقتصادي وغيرها من مكامن النفوذ، التي تهدف إلى وضع حد لتدخل طهران غير المقبول في الشؤون الداخلية للدول العربية، شركاء الولايات المتحدة الخليجيين إلى أن أي تطبيع للعلاقات يتطلب وضع حد لسلوك إيران المزعزع للاستقرار ولدعمها للإرهاب.