إن الانقطاع المتكرر في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود يؤثر بشكل كبير على بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك بسبب الاعتماد الكبير على واردات المواد الغذائية الأساسية الروسية والأوكرانية.
سلطت جائحة فيروس كورونا الضوء على نقاط الضعف في سلاسل التوريد العالمية وأنظمة الرعاية الصحية العامة والأمن الغذائي وأمن الطاقة. فقد أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا عن تفاقم هذه القضايا، حيث تعمق انعدام الأمن الغذائي والفقر في جميع أنحاء العالم. فروسيا وأوكرانيا تعتبران سلة خبز العالم. فقد صدر البلدان، في عام 2021، أكثر من ربع القمح العالمي. تعد كلا الدولتين من الموردين الرئيسيين للذرة وبذور زيت عباد الشمس والشعير؛ كما أن روسيا أيضًا موردًا رئيسيًا للأسمدة ذات الأهمية البالغة للإنتاج الزراعي. أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم معدلات التضخم المالي وتقليل القوة الشرائية للشعوب في جميع أرجاء منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، التي استوردت 70٪ من صادرات القمح الروسي في عام 2021. هذه التكاليف المتصاعدة، التي تعززها الندرة الفعلية والمتوقعة، تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في مصر ولبنان لاعتمادهما على واردات القمح الروسية والأوكرانية بشكل كبير، وتُعرض الفئات السكانية الضعيفة في مناطق الصراع للخطر، بما في ذلك اليمن وسوريا والصومال التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الغذائية الطارئة.
وصل مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، الذي يقيس التغيرات في أسعار السلع الدولية، إلى أعلى مستوى له في مارس/آذار منذ أن تم إنشاء المؤشر في عام 1990، حيث ارتفع المؤشر بنسبة 12.6٪ من فبراير/شباط إلى مارس/آذار. وذكرت المنظمة أن ارتفاع الأسعار ناجم، إلى حد كبير، عن الحرب في أوكرانيا.
ارتفاع الأسعار والسياسات الحمائية
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب العقوبات الغربية ضد روسيا، إلى زيادات حادة في أسعار الطاقة والغذاء وسوف تؤثر، لفترة طويلة، على أسواق الطاقة والسلع العالمية. دفع الغزو الروسي أوكرانيا إلى حظر تصدير القمح والشوفان والدخن والحنطة السوداء وغيرها من المواد الغذائية لدعم إمداداتها الغذائية المحلية. كما قلل الغزو من القدرة الإنتاجية الزراعية لأوكرانيا من خلال التسبب في نزوح جماعي وتدمير البنية التحتية الحيوية ومرافق تخزين الحبوب – ما من شأنه أن يعرقل، بشكل صارم، موسم الحصاد القادم في يونيو/حزيران. كما تم قطع طرق الإمداد البحري الرئيسية عبر البحر الأسود.
تعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشكل كبير، على المواد الغذائية المستوردة، وخاصة المواد الغذائية الأساسية مثل القمح. وفقًا للبنك الدولي، تستورد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 50٪ من احتياجاتها الغذائية. تستورد بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية على وجه التحديد ما بين 80٪ إلى 90٪ من احتياجاتها الغذائية. استوردت مصر ما يزيد على 70٪ من القمح من روسيا وأوكرانيا في عام 2021. وبالتالي فإن المنطقة برمتها معرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية واضطرابات في سلاسل التوريد.
استجابةً لتزايد مخاوف الأمن الغذائي، تقوم الدول بتنفيذ سياسات حمائية للغذاء للمساعدة في درء التضخم المالي وحماية الإمدادات الغذائية المحلية، وهي تدابير محلية من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم الضغوط في أماكن أخرى. عملت مصر والجزائر والمغرب وتركيا على تخفيض أو حظر صادراتها من المواد الغذاء الرئيسية في الشهر الماضي لوجود مخاوف من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، التي أثارت احتجاجات واسعة النطاق في الماضي. حظرت مصر تصدير زيت الطهي والذرة والقمح الأخضر لمدة ثلاثة أشهر. وأعلنت الجزائر حظرًا على إعادة تصدير القمح والسكر والزيوت النباتية والمعجنات والسميد، في حين بدأ المغرب بخفض صادراته من الطماطم. أقرت تركيا حظرًا مؤقتًا على إعادة تصدير الحبوب وزيت الطهي والبذور الزيتية، وغيرها من المنتجات الزراعية الرئيسية. كما منعت تركيا التصدير المباشر لزيت الطهي والشحنات الضخمة من زيت الزيتون والسمن والعدس الأحمر والفاصوليا الجافة. تعد هذه المواد الغذائية الأساسية ذات أهمية خاصة مع احتفال المجتمعات المسلمة بشهر رمضان المبارك.
لكن كل ذلك لا يعدو عن كونه تدابير مؤقتة. في ظل عدم وجود نهاية للحرب في الأفق المنظور، فإن مخاوف الأمن الغذائي هذه سوف تحتاج إلى معالجة من خلال إدخال تعديلات على السياسات طويلة الأمد. من الممكن أن يشمل ذلك تحسين سعة التخزين وزيادة الاستثمار في القطاع الزراعي للمساعدة في تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي. تحتاج السياسات كذلك للتركيز على مكافحة تغير المناخ وندرة المياه. توصلت دراسة لمعهد الموارد العالمية في عام 2019 إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أكثر “مناطق العالم معاناة من شُح المياه“، حيث تواجه فصولاً شديدة الجفاف وندرة في المياه وارتفاع لمستويات سطح البحر.
الأمن الغذائي الخليجي
وفقًا لبيانات منظمة الفاو لعام 2021، تستورد السعودية وسلطنة عمان حوالي نصف احتياجاتهما من القمح من روسيا وأوكرانيا. كما تستورد قطر والإمارات كميات كبيرة من القمح الروسي والأوكراني. تعد السعودية هي أكبر مستورد للشعير في العالم، حيث يستخدم لإطعام الماشية، ونصف ذلك تقريبًا يأتي من روسيا وأوكرانيا.
على الرغم من أن دول الخليج العربية هي من بين أكثر دول المنطقة اعتمادًا على الواردات الغذائية، إلا أن اقتصاداتها الثرية جعلتها أقل عرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية من الدول الفقيرة في المنطقة. حتى عندما أدت الأحداث العالمية الكبرى مثل الأزمة المالية لعام 2008 وجائحة فيروس كورونا إلى إيقاف سلاسل التوريد العالمية وزيادة أسعار المواد الغذائية، كان التأثير المباشر على الواردات الغذائية في الخليج محدودًا.
ومع ذلك، تقول إيما سوبريه أن هذه الأحداث سلطت الضوء على انعدام الأمن الغذائي باعتباره تهديدًا متزايدًا، الأمر الذي دفع العديد من دول الخليج للاستثمار بشكل أكبر في الإنتاج الزراعي المحلي، وزيادة سعة التخزين وتنويع موردي المواد الغذائية، وتوسيع الاستثمار الزراعي في المناطق ذات الأراضي الصالحة للزراعة. أنشأت الإمارات مجلس للأمن الغذائي، وتبنى مجلس التعاون لدول الخليج العربية اقتراحًا كويتيًا بإنشاء شبكة إقليمية لضمان الإمدادات الغذائية.
وذكرت عالية الحسيني، منسقة أبحاث الأسهم في شركة أرقام كابيتال (Arqaam Capital)، في مقابلة مع صحيفة عرب نيوز أن صناديق الثروة السيادية في دول الخليج العربية قد واجهت ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشراء أراضٍ زراعية في أفريقيا. ساعدت الاستثمارات، في السنوات الأخيرة، في منشآت تخزين الحبوب، مثل تلك التي تم بناؤها في قطر والإمارات، في حماية بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية من مخاوف نقص الغذاء الفورية. وقد عملت مثل هذه المبادرات حتى الآن على إبعاد الدول الخليجية عن التأثير المباشر للأزمة الأوكرانية، وهو ما ساعدها على تجنب النقص ودرء التضخم المالي العالمي المتزايد في أسعار المواد الغذائية.
أشار تقرير أصدرته مؤسسة راند عام 2018 بعنوان “الأمن الغذائي في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية” إلى أن التحدي الأكبر للأمن الغذائي في دول المجلس هو “مخاطر الاتاحة التي تنشأ عندما لا تتمكن الدولة المعتمدة على الاستيراد من توفير الغذاء، حتى لو كان لديها ما يكفي من الأرصدة المالية لشرائه. هناك عدد من العوامل العالمية والمحلية التي قد تتسبب في مخاطر الاتاحة، ومن ضمنها الجفاف أو الصدمات الأخرى في الدول المنتجة؛ وقيود التصدير مثل تلك التي فرضها عدد من منتجي الأغذية في 2007-2008؛ والكوارث الطبيعية أو البنية التحتية السيئة التي تعرقل نقل المحاصيل؛ وهناك عوامل سياسية مثل الحرب أو الصراعات الأهلية أو الحصار”. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك في الخليج كانت مقاطعة قطر التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر. عندما فُرضت المقاطعة في يونيو/حزيران 2017، تسببت في نقص كبير في المواد الغذائية في قطر، ما دفع إيران وتركيا والمغرب لإرسال شحنات غذائية طارئة.
المعونات والاستثمار للشركاءالمتعثرين
حتى وإن كانت دول الخليج العربية أقل تأثرًا من العديد من الدول الأخرى في المنطقة، فهي تلعب دورًا في تقديم الدعم المالي للدول الأكثر تضررًا نتيجةً لاعتمادها على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تعهدت السعودية والإمارات وقطر باستثمارات ومعونات تقدر بالمليارات لدعم الاقتصاد المصري المتعثر. أودعت السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، ووعدت باستثمارات مستقبلية بقيمة 10 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة. ووقعت قطر صفقات استثمارية بقيمة 5 مليارات دولار، في حين وافقت أبوظبي على استثمارات بقيمة 2 مليار دولار.
من المرجح أن تكون عروض الدعم هذه من دول الخليج ناجمةً جزئيًا عن القلق بشأن تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية على الاحتجاجات وعدم الاستقرار المحتمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في البلدان التي شهدت احتجاجات واسعة النطاق ضد ارتفاع تكاليف المعيشة في السنوات الأخيرة، مثل مصر ولبنان والمغرب والجزائر وتونس، وحتى سلطنة عُمان. والوضع أسوأ من ذلك بالنسبة لمناطق الصراع، مثل اليمن وسوريا والصومال التي تواجه بالفعل أزمات إنسانية مأساوية. هذه الدول تعتمد بشكل كبير على المعونات الغذائية الطارئة، والتي تكون أكثر عرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية. علاوة على ذلك، كانت وكالات مثل برنامج الغذاء العالمي تتلقى معظم إمداداتها الغذائية من أوكرانيا في عام 2021، فهي بالتالي، تتأثر بارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض العرض. وفي معرض حديثه عن الصراع في اليمن، قال الرئيس التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيزلي (David Beasley)، “ليس لدينا خيار سوى أخذ الطعام من الجياع لإطعام من هم في مجاعة”.
شددت منظمة الفاو على أن أسعار الغذاء ومعدلات الفقر ستستمر في الارتفاع بمعدلات تنذر بالخطر في عامي 2022 و2023. ومن المرجح أن تلعب دول الخليج دورًا أكبر في دعم الاقتصادات المتعثرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما فعلت مع مصر. ومن المرجح كذلك أن تضاعف دول الخليج من مبادراتها السياسية الخاصة لضمان إمدادات الماء والغذاء. ومع ذلك، إذا احتدم الصراع في أوكرانيا، بالإضافة إلى الجائحة المتواصلة والتهديدات المتزايدة من التغير المناخي، واستمرار أسعار الطاقة والغذاء في الارتفاع، فمن المحتمل أن تواجه المنطقة حركة احتجاجات أوسع وحالة من عدم الاستقرار.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.