ادعم منشورات معهد دول الخليج العربية في واشنطن باللغة العربية
تبرع اليوم لمساعدة المعهد في توسيع نطاق تحليلاته المنشورة باللغة العربية.
تبرع
“هذه المقالة هي جزء من سلسلة حول المقاتلين الشيعة الأجانب المدعومين إيرانيًّا وتأثيرهم المحتمل على ديناميكيات الأمن الإقليمي.
تحدد المنظمات العسكرية واستخدام القوة معالم نتائج الحروب، غير أن الحروب بحدّ ذاتها أيضًا ترسم معالم المنظمات العسكرية. فتمامًا كما حوّلت الحرب مع العراق بين عامَي 1980 و1988 “الحرس الثوري الإيراني” من جماعة ميليشيات غوغاء إلى القوة العسكرية البارزة في إيران، تحوّل الحرب في سوريا “الحرس الثوري الإيراني” برمّته إلى قوة عابرة للحدود. ويمثّل العدد المتزايد من ضحايا القوات البرية التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” الذي يسقطون في المعارك في سوريا بدلًا من أفراد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني” الذي يركّز على العمليات خارج الحدود الإقليمية خير دليل على هذا التطوّر.
ومع الأخذ في الحسبان النفوذ المتزايد لـ”الحرس الثوري الإيراني” في الهيكليات السياسية للجمهورية الإسلامية، من المرجح أيضًا أن يعيد هذا التحول مسألة الحملات الحربية إلى الواجهة على صعيد التفكير الاستراتيجي الإيراني. وبالتالي، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط الاستعداد لمواجهة إيران أكثر نشاطًا في ظل ترقية محاربين متمرسين في سوريا من “الحرس الثوري الإيراني” تدريجيًا إلى مناصب أعلى ضمن صفوف “الحرس الثوري” وخارجه.
ويشير استطلاع لخدمة الجنائز المقامة في إيران لأفراد من “الحرس الثوري الإيراني” والجيش الإيراني الذين لقوا حتفهم في سوريا إلى تواجد متنامي للقوة البرية التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا.
ومن بين 561 إيرانيًا تمّ تحديدهم، خدم 55 منهم على الأقل في “فيلق القدس”، وربما يكون نحو 331 فردًا ممن لم يتمّ تحديد مراكز خدمتهم قد خدموا أيضًا في “فيلق القدس”. وليس هذا الأمر بالمفاجئ، نظرًا إلى أن “فيلق القدس” هو وحدة عمليات خاصة توكل بمهمات خارج الحدود الإيرانية، وهو احتكار تتمتع به منذ حملة تطهير “الحرس الثوري الإيراني” عام 1986 في أعقاب قضية إيران- كونترا. وبالتالي، ما يدعو إلى المفاجأة بالفعل هو أنه تمّ تحديد 148 إيرانيًا قتلوا في الحرب السورية على أنهم خدموا في القوات البرية التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني”.
الإيرانيون الذين قُتلوا في الحرب السورية بحسب الفرع العسكري، بين كانون الثاني/يناير 2012 وتشرين الثاني/نوفمبر 2018
إذًا لمَ قررت قيادة “الحرس الثوري الإيراني” نشر قواتها البرية في سوريا؟ توفّر الخسائر الأولية لضحايا “الحرس الثوري الإيراني” في سوريا نظرةً معمقة نوعًا ما إلى هذا التحول الكبير: إن أفراد “الحرس الثوري الإيراني” الثلاثة الأوائل الذين قتلوا في سوريا، وهم الرائد محرم تورك والجندي علي أصغر تكناكي والعميد حسن شاطري (المعروف أيضًا بحسام خوشنويس)، كانوا جميعًا تابعين لـ”فيلق القدس”. وتشير تحليلات إضافية عن انتماء المتوفين إلى الفروع ووقت الوفاة في المعركة إلى أن “فيلق القدس” تحمل العبء الأكبر من الضحايا في المرحلة الأولى من الحرب في سوريا. وبما أن “فيلق القدس” هو وحدة صغيرة نسبيًا ضمن “الحرس الثوري الإيراني”، من المرجح أن تحض هذه الخسائر قيادة “الحرس الثوري الإيراني” على نشر قوات برية نظامية في سوريا من أجل تخفيف الضغط على “فيلق القدس”.
ومن المرجح أيضًا أن تكون ضخامة خسائر “فيلق القدس” وآفاق المشاركات العسكرية للقوات الجوية الروسية في سوريا وأبرز هجمات “الحرس الثوري الإيراني” والميليشيات الحليفة له، قد ساعدت جميعها على إقناع اللواء قاسم سليماني، وهو قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”، بالتخلي عن احتكاره لقيادة العمليات العسكرية في الخارج.
وبالفعل، أسفر الدعم الجوي الروسي والهجمات الكبيرة بقيادة “الحرس الثوري الإيراني” على الأرض عن انتصارات، ولكن أيضًا عن عدد كبير من الضحايا، إذ يبدو أن القوات البرية التابعة لـ”الحرس الثوري” قد تكبدت أولى الخسائر بأرقام مزدوجة في تشرين الأول/أكتوبر 2015. ويشير هذا الواقع إلى أن قيادة “الحرس الثوري الإيراني”، بدأ بنشر قواته البرية في سوريا تحسبًا للهجمات بدلًا من التضحية بالمزيد من أفراد النخبة ضمن “فيلق القدس”.
الإيرانيون الذين قُتلوا في الحرب السورية بحسب الفرع العسكري، بين كانون الثاني/يناير 2012 وتشرين الثاني/نوفمبر 2018
وإذ هي مدربة على محاربة الاضطرابات المحلية وأيضًا على الحرب الكلاسيكية بشكل متزايد، ربما لم يكن العدد الكبير من القوات البرية التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” الخيار الأفضل لخوض حرب غير نظامية ضدّ قوات متمردة مسلحة بشكل جيد في سوريا، غير أن الحرب في سوريا وفّرت أرضًا خصبة قوية لتدريبها وإعدادها للعمليات المستقبلية في الخارج. وبالتالي، ما بدأ كضرورة عملية في تشرين الأول/أكتوبر 2015 قد يحوّل ربما “الحرس الثوري الإيراني” برمته إلى قوة عابرة للحدود.
وفي ظل ظروف طبيعية، كان مثل هذا التجاوز للقوات البرية التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” لنطاق سلطة “فيلق القدس” ليثير منافسات شرسة بين الأقسام وردود فعل ساخطة تنظيمية من “فيلق القدس”. غير أن تحول “الحرس الثوري الإيراني” ككل إلى “فيلق قدس” يجعل قادة هذا الأخير بحكم الأمر الواقع أسياد “الحرس الثوري الإيراني”.
وقد يغيّر تحوّل “الحرس الثوري الإيراني” أيضًا التفكير الاستراتيجي والسلوك المستقبلي للجمهورية الإسلامية. ففي ظل ترقية المحاربين المتمرسين في سوريا ضمن صفوف “الحرس الثوري الإيراني”، من المرجح اعتناق مسار أقل حذرًا وأكثر نشاطًا في مسعى لتكرار ما يعتبره “نجاحًا” في سوريا. ولا يعود مثل هذا التطور بالخير على الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط الذين سيواجهون على الأرجح جمهوريةً إسلاميةً أكثر استعدادًا للمجابهة في المستقبل.