أُختُتم عام صعب من العمل المناخي في منطقة الخليج بجرعة من التفاؤل مع تعيين مبعوثِين للمناخ والإعلان عن برامج تخفيض الانبعاثات وأهدافها. في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز عن انطلاق البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، وجاء ذلك تتويجاً لحملة دامت عاماً واحداً من الترويج لهذا المفهوم كنهج جديد لإدارة الانبعاثات أثناء رئاسة السعودية لمجموعة العشرين. وفي الشهر نفسه، دفع ترشيح وزير الخارجية السابق جون كيري لمنصب مبعوث شؤون المناخ في الإدارة الأمريكية المقبلة للرئيس المنتخب جوزيف بايدن، حكومتين خليجيتين لتعيين مبعوثين خاصين جدد للمناخ؛ سلطان أحمد الجابر، المبعوث السابق للمناخ والمدير التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومحمد مبارك بن دينه وهو مسؤول بيئي كبير في البحرين. أعلن العراق في ديسمبر/كانون الأول 2020 عن انضمامه أخيراً إلى اتفاقية باريس الخاصة بالتغير المناخي. وقد تصدرت الإمارات العربية المتحدة العام بتقديم مساهمتها الثانية من اتفاقية باريس إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، ما جعلها أول دولة خليجية تلتزم دولياً بالوصول إلى الذروة الفعلية المتعلقة بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري المحلية في العقد المقبل.
تأتي هذه الإعلانات وفقاً لنمطٍ مألوفٍ في المنطقة ترتبط فيه التطورات الرئيسية في سياسة المناخ عموماً بالأحداث الخارجية. فعلى مدى العقد المنصرم، كانت دول الخليج تسعى لرفع سمعتها في إدارة المناخ العالمي من خلال استضافة مؤتمرات الأمم المتحدة المتعلقة بالمناخ والمنظمات الدولية للطاقة النظيفة دون إجراء تغييرات كبيرة على أنماط استخدام الطاقة المحلية. لقد جربوا تحويل تعويضات الكربون إلى سيولة نقدية من خلال آلية كيوتو للتنمية النظيفة، لكنهم تهربوا من تسعير الكربون المحلي. قدمت جميع دول مجلس التعاون الخليجي خططها الأولية إلى اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي، ولكن الذين قيموا هذه الخطط من الخارج صنفوها على أنها غير كافية فيما يتعلق بأهدافها.
في عام 2020، وجهت جائحة فيروس كورونا ضربة قوية لدبلوماسية المناخ العالمية، التي كانت تعاني بالفعل من غياب القيادة القوية. لقد عملت على شل جميع مفاوضات المناخ المتعددة الأطراف، حيث منعت عقد اجتماعات وجهاً لوجه، وهمشت قضية التغير المناخي في العديد من المباحثات الدولية الأخرى. “التعافي الأخضر” أو “إعادة البناء بشكل أفضل”، الذي أصبح جدول أعمال المناخ الجديد في أجزاء مختلفة من العالم، كان غائباً عن خطاب السياسة في الخليج – باستثناء بعض مجموعات العمل والهيئات البيئية. وواصل قطاع الهيدروكربونات في المنطقة توسعه، مع إعلان أدنوك (شركة بترول أبو ظبي الوطنية) عن خطة خمسية استثمارية بقيمة 122 مليار دولار، ووصول إنتاج السعودية من النفط الخام إلى مستوى قياسي بلغ 12.1 مليون برميل يومياً. كما أن التغييرات التي طرأت على الحكومات في عُمان والإمارات أشارت إلى محاولة تجاوز العاصفة من خلال تشديد القيود المالية الحكومية بدلاً من تحويل الاستثمارات نحو الطاقة أو التحولات الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، كان هنالك تعزيز لعدد من التوجهات في عام 2020، خارج المنطقة وداخلها على حدٍ سواء، ما قد يشير إلى المزيد من التغيرات المقبلة على قدر كبير من الأهمية.
التحول في وعي المستثمر
في يناير/كانون الثاني 2020، أكد المدير التنفيذي لشركة بلاك روك، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، أن العالم “على وشك إعادة تشكيل التمويل بشكل جذري” بسبب زيادة وعي المستثمرين بأن “مخاطر المناخ هي مخاطر الاستثمار” وضرورة إعادة تخصيص رأس المال. وفي حين أن مصدري النفط الخليجيين قد لا يواجهون أصولاً عالقة على المدى المتوسط بسبب انخفاض تكلفة مخزونها وقلة كثافة الكربون فيه نسبياً، فإن إجراءات شركات النفط الوطنية تشير إلى الوعي بالضغوط المتزايدة لأخذ العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة بعين الاعتبار.
صناعة النفط تحدد الأهداف المناخية
في يوليو/تموز 2020، التزم تحالف الصناعة – الذي تعد أرامكو السعودية عضواً فيه – من خلال مبادرة المناخ للنفط والغاز، بشكل جماعي بالتخفيض من كثافة الكربون في عمليات التنقيب والإنتاج بحلول عام 2025، وأعلن عدد من أعضاء مجموعة التحالف عن أهدافهم في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية. وفي مواجهة الضغوط المتزايدة من الحكومات والمستثمرين ومديري الأصول والمستهلكين، تقدمت بعض شركات النفط الأوروبية الكبرى بهذه الخطوة مزيداً إلى الأمام، حيث تقدمت بأهدافٍ لانبعاثاتها في المجال (3) (تلك المتعلقة بالاستخدام النهائي لمنتجها، وبالتحديد حرق الوقود الأحفوري). وليس من المرجح أن تتحقق ضغوط محلية مماثلة في المستقبل القريب داخل منطقة الخليج، لكنها قد تأتي من خارج المنطقة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أضافت مجموعة من 500 مستثمر دولي أرامكو إلى قائمة الشركات التي تركز عليها للقيام بتخفيضات على الانبعاثات تماشياً مع اتفاقية باريس.
اقتصادات كبرى تتبنى أهداف الصافي الصفري
كما كان هناك، في عام 2020، زيادة كبيرة في البلدان الملتزمة بالوصول إلى “صافي الانبعاثات الصفرية” (وهي التوازن ما بين الانبعاثات التي ينتهي بها المطاف إلى الغلاف الجوي وتلك التي تتم إزالتها منه) بحلول منتصف القرن. بعد انقطاع دام 4 سنوات، ارتفع زخم الأنشطة الرئيسية التي تطلق الانبعاثات في خريف عام 2020، حيث أعلنت الصين عن هدفها في الوصول إلى تعادل الكربون في عام 2060، وأكد الاتحاد الأوروبي على هدفٍ طموح في المزيد من التخفيف من الانبعاثات في عام 2030 للتوصل لتحقيق تعهدها بالتعادل المناخي في عام 2050. ومع التزام مماثل من الإدارة الأمريكية المقبلة بصافي الانبعاثات الصفرية مع حلول عام 2050، فمن الممكن أن يضع أكثر من 70٪ من الاقتصاد العالمي التعادل المناخي كهدف له قريباً، ما من شأنه أن يضع حد الانحباس الحراري البالغ 1.5 درجة مئوية لاتفاقية باريس في متناول اليد. حتى الآن، من بين الـ 127 دولة لا توجد دول خليجية ملتزمة، أو تبحث في أهداف منتصف القرن، لكن عام 2021 قد يجلب تغييرات في هذا الصدد.
“لغة جديدة للكربون” لمنتجي الهيدروكربون
يحتوي مصطلح “الصافي الصفري” على تحذير هام، حيث لا يتطلب تخفيضات مطلقة للانبعاثات بحلول منتصف القرن طالما تتم إزالة أي انبعاثات من الغلاف الجوي. لا يزال نشطاء الحملات البيئية متشككين في المصطلح، بحجة أنه يعتمد على “تعويضات الكربون الإشكالية والتقنيات غير المثبتة“، بما في ذلك احتجاز الكربون وتخزينه.
ومع ذلك، يعد الصافي الصفري جذاباً بالنسبة لمصدري النفط الخليجيين، وتحديداً لأنه يشمل ضمنياً الهيدروكربونات في مسارات الطاقة العالمية المستقبلية – طالما يتم تخزين الكربون ذي الصلة بعيداً أو تحويله إلى “كربون دائم” مثل مواد البناء. مع أخذ هذا الأمر بالحسبان في عام 2021، جعلت السعودية من مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون أحد الموضوعات الرئيسية لرئاستها لمجموعة العشرين. وقد روجت له المملكة كنهج “عملي” وذلك من أجل اعتبار الكربون مصدراً ذا قيمة اقتصادية، وليس كأحد العوامل البيئية الخارجية. في حين يرى المشككون أن هذا من المحتمل أن “يقوض السياسة المناخية الطموحة، وأهداف التخفيف وآليات تسعير الكربون، التي تسعى إلى تحفيز الابتعاد عن الوقود الأحفوري كلياً”، إلا أن مجموعة العشرين قد أقرت هذا المفهوم في نهاية المطاف، وتعمل السعودية الآن على البرنامج الوطني الاقتصاد الدائري للكربون الذي يهدف إلى “معالجة التغير المناخي مع الاستمرار في تحقيق النمو الاقتصادي”.
ظهور الهيدروجين
استمر الهيدروجين الأخضر والأزرق –الذي ينتج عن الكهرباء المتجددة والوقود الأحفوري مع احتجاز الكربون وتخزينه، على التوالي- في ظهوره المذهل في مناقشات الطاقة العالمية طوال عام 2020، مع وضع العديد من البلدان استراتيجيات طموحة طويلة الأجل. ففي الخليج، يمكن للهيدروجين أن يكون بمثابة الحل لإزالة الكربون من القطاعات، التي يصعب التخفيف منها، مثل الصناعات الثقيلة والنقل، ويقدم طرقاً بديلة لتوفير عائدات تصدير الوقود في عالم يتزايد تقييده بالكربون. ومع ذلك، فإن انطلاق الهيدروجين سيعتمد على مدى الجدية التي يقررها قادة المنطقة في المراهنة عليه. في يوليو/تموز 2020، أعلنت السعودية عن خطط لبناء مفاعل للهيدروجين الأخضر بقيمة 5 مليارات دولار، يتم توجيهها نحو الصادرات إلى أوروبا وأماكن أخرى.
الدعم المتواصل لاتفاقية باريس
على الرغم من إلغاء مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2020، فقد قدم عدد كبير من الدول تعهدات مشددة لدعم اتفاقية باريس. من بين تلك التعهدات، تمثل المساهمة الثانية المحددة وطنياً للإمارات تقدماً كبيراً، مقارنة بالمساهمة الأولى، التي كانت تهدف للوصول إلى 27٪ من الكهرباء النظيفة في قطاع الطاقة لعام 2021، تحدد المساهمة الجديدة هدفاً لخفض الانبعاثات على مستوى الاقتصاد بنسبة 23.5٪ مقارنة بالسيناريو الذي كان توقعاً لعام 2030. تفتقر الأهداف الكمية الحالية التي وضعتها دول الخليج الأخرى إلى المرجعية، كتلك التي تخص السعودية، أو أنها لا ترقى إلى مستوى التخفيضات ذات المغزى، كما هو الحال في عُمان. إذا نفذت الإمارات تعهدها، فسوف تحافظ على استقرار الانبعاثات خلال العقد المقبل. ومما لا شك فيه، أنه في الوقت الذي سهّل فيه التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة فيروس كورونا القيام بمثل هذه التعهدات، فإن التفكير في كبح نمو الانبعاثات كان يعتبر مستحيلاً في المنطقة قبل بضع سنوات فقط.
إعادة البناء على نحو أفضل
خلال عام 2020، تزايدت الدعوات إلى البلدان “لتخضير” التمويل والتحفيز للتعافي من فيروس كورونا وإنهاء دعم الوقود الأحفوري. قدر تقرير للأمم المتحدة أن مجموعة العشرين قد التزمت بمبلغ 233 مليار دولار من التمويل العام لصالح الوقود الأحفوري مقارنة بـ 146 مليار دولار للطاقة المستدامة والتنقل اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني 2020. كما خلصت الدراسة إلى أنه يجب تخفيض إنتاج الوقود الأحفوري العالمي بنسبة 6٪ سنوياً على مدى العقد المقبل لضمان مستقبل آمن مناخياً.
وعلى الرغم من مختلف مبادرات النمو الأخضر والاقتصاد الأخضر، إلا أن دول الخليج لم تلتحق بتيار الانتعاش الأخضر من خلال حزم التحفيز لعام 2020. واستمرت معظم مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة كما هو مخطط لها، لكن إجمالي القدرات المركبة في المنطقة لا يزال يمثل جزءاً صغيراً من مزيج الطاقة الإجمالي، تاركاً معظم الانبعاثات دون معالجة.
وفي حين أن عام 2020 ربما لم يجلب إعلانات تحويلية من منطقة الخليج، إلا أنه ربما قد مهد الطريق لإعلانات أكبر في عام 2021. فأعلنت إدارة بايدن عن خطط لعقد قمة المناخ العالمية في الأيام المئة الأولى من ولايته، وحليف خليجي رئيسي آخر، حيث ستترأس المملكة المتحدة مؤتمر غلاسكو للتغير المناخي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. ولا يزال يتعين اغتنام الفرص الرئيسية المتعلقة بالتعافي من أجل إيجاد فرص العمل حول كفاءة الطاقة والكهرباء، والذي قد يدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتعثرة في المنطقة. وبدوره، يمكن أن يتلقى إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع مع احتجاز الكربون وتخزينه، مزيداً من الزخم من برنامج الاقتصاد الدائري للكربون الدائري في السعودية. ويمكن للمزيد من دول الخليج وشركات النفط طرح خطط مناخية متطورة، وقد يشهد عام 2021 تحقيق الهدف في بلوغ الصافي الصفري الأول في المنطقة.