لقد حدث ازدهار في صناعة القهوة المتخصصة في دول الخليج العربية. فمن مسابقات مثل بطولة كأس الإمارات الوطنية للتخمير إلى المهرجانات والمعارض، مثل المعرض الدولي للقهوة والشوكولاتة في الرياض، تزايدت حيوية سوق القهوة في منطقة الخليج. فظهرت المحامص والمقاهي المملوكة من السكان المحليين في جميع أنحاء المنطقة، ما أدى إلى ظهور ثقافة قهوة خليجية جديدة. وتزايد الطلب على القهوة العالية الجودة، ويمضي السوق متسارعاً نحو الصعود.
إن القهوة، الاسم العربي وأصل كلمة coffee، تعد جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المنطقة وتاريخها. وتعود الجذور التاريخية لهذا المشروب في شبه الجزيرة العربية، واليمن بالتحديد، إلى أعوام 1300 و1400. ويستمر الحوار والمناقشة حول مكان إكتشاف القهوة حتى يومنا هذا. ولكن الاعتقاد السائد هو أن الراهب الصوفي أبو الحسن علي بن عمر اكتشف ثمار البن في إثيوبيا كفاكهة صالحة للأكل يتم تناولها مع السمن، وبدأ في زراعة النبات وغليه على شكل مشروب عندما عاد إلى اليمن. ولشرب القهوة تاريخ طويل في التقاليد الصوفية، وله معانٍ رمزية دينية، حيث استخدم في الصلوات الليلية وطقوس عبادة متعددة.
بعد اكتشاف هذا المشروب المبهج، تم تصديره ، من مدينة المخا اليمنية الساحلية، التي تُعد أول مركز لتجارة البن في العالم، إلى مناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية، مثل مكة. وانتشرت الصادرات عبر جميع أنحاء العالم الإسلامي في أوائل القرن السادس عشر، ووصلت إلى أوروبا في القرن الثامن عشر. وظهر عدد من المقاهي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث انغمس الكتاب والفلاسفة والسياسيون في القهوة اليمنية. وأصبحت القهوة موضوعاً متكرراً في الأدب والشعر العربي لعدة قرون.
لم تحظَ القهوة اليمنية بتقدير مجتمع القهوة الدولي إلا في السنوات القليلة الماضية لجودتها العالية ونكهتها المعقدة الفريدة. ويعود سبب التأخير في إدراجها في الأسواق العالمية بشكل أساسي إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. ومع ذلك، يتطلع رواد الأعمال الشباب، ذوو الأصول اليمنية، إلى تراث القهوة اليمنية القديم ويسعون لإحيائه من خلال التركيز على الجانب الإنتاجي في الصناعة لتقديم حبوب البن العالية الجودة لعشاق القهوة.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع اثنين من مؤسسي شركات القهوة المتخصصة اليمنية، للتعرف أكثر على مسيرتهم في هذا المجال: مختار الخنشلي، المولود لأبوين يمنيين مهاجرين يعيشان في الولايات المتحدة، ومؤسس الشركة التجارية “ميناء المخا” (PortofMokha) و”مؤسسة المخا” (Mokha Institute) غير الربحية. وعبد الرحمن سعيد وهو مواطن إماراتي، ولد في تورونتو (كندا)، ومؤسس “سابكوميد” (Sabcomeed).
قام كل من مختار وعبد الرحمن بتحويل شغفهما إلى مهنة، وقررا وضع طموحاتهما التعليمية والمهنية جانباً لدعم القطاع الزراعي في بلدهما الأصلي. قال مختار للمعهد، ” كشخص عاش طفولته في الولايات المتحدة، كانت صورة المجتمعات العربية سلبية للغاية، وبشكل خاص في وسائل الإعلام بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. كنت أحاول دائماً العثور على أشياء في ماضينا، في تاريخنا، تجعلني أشعر بالفخر. وكنت منجذب جداً إلى التاريخ الإسلامي والشعر العربي. وفي عام 2012، اكتشفت القهوة المتخصصة، وكان سوق هذا النوع من القوة ينتشر بشكل كبير في الولايات المتحدة. ثم اكتشفت أن أُصول القهوة وزراعة البن تعود إلى اليمن. اعتقدت أنه شيء مذهل اننا عرّفنا العالم على هذا المشروب الرائع الذي يساعد الناس على النهوض في كل صباح”.
كما أعرب عبد الرحمن عن ارتباطه ببلده الأصلي، قائلاً: “كل ما أذكره هو أنني أردت دائماً أن أفعل شيئاً من أجل اليمن. عندما كان عمري 18 عاماً، ذهبت إلى جامعة نورث إيسترن في بوسطن، بولاية ماساتشوستس، لدراسة العلوم السياسية. كنت أرغب في البداية أن أسلك طريق السياسة، ولكنني تركت الدراسة الجامعية بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، ساعياً للعمل في صناعة العسل والقهوة في اليمن. في عام 2003، بدأت العمل في العسل، لكن ذلك لم ينجح. في عام 2017، بينما كنت في الخدمة الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنشأت سابكوميد. وأضاف عبد الرحمن: “أكثر ما يؤلمني هو سرقة كلمة “مخا” أو “موكا” من قبل المقاهي والشركات الغربية لبيع وتسويق الشوكولاتة. لغوياً وتاريخياً، تعود كلمة المخا إلى موقع جغرافي، ميناء في اليمن. ولكوني من أصول يمنية، فقد أثارتني رؤية هذه الشركات تجني أرباحاً من هذا الاسم. لا يمكنك تسمية مشروبٍ ما بأنه شمبانيا إذا لم يأتِ من وادي الشمبانيا. والشيء نفسه يقال عن جبنة فيتا أو بارميجيانو-ريجيانو ومليون منتج آخر. كان من الممكن أن تكون هذه نافذة اقتصادية لليمن، وهذا ما أردت الكفاح من أجله”.
أفصح مختار وعبد الرحمن بصراحة عن التحديات التي واجهتهما في تحويل رؤاهم إلى واقع. وتذكر مختار قائلاً: “دخلت إلى أحد المقاهي ذات يوم، وتناولت فنجانًا رائعًا من القهوة، فسألت الباريستا “ما الذي وضعته في هذه القهوة؟” كان مذاقها يشبه مذاق التوت البري، وكان طعمها حلواً جداً. كنت معتاداً على القهوة المرة الداكنة، كان عليك إضافة الكثير من الكريمة والسكر لتكون صالحة للشرب. أخبرني الباريستا أن القهوة جاءت من منطقة في جنوب إثيوبيا تدعى يرجاتشاف (Yirgacheffe)، وأن لهم علاقة مباشرة مع المجتمع والمزارعين هناك. واعتقدت أنها طريقة رائعة لممارسة الأعمال التجارية”. وتابع مختار قائلاً: “القهوة اليمنية التي كانت متوفرة في السوق لم تكن في الحقيقة قهوة يمنية أصيلة، وكان فيها العديد من العيوب. فقلت لنفسي: حسنًا، ربما يمكنني محاولة بدء مشروع جانبي وإيجاد طريقة للحصول على قهوة يمنية لتزويدها لهذه المقاهي. في البداية، خططت لشراء قهوة يمنية من المحامص أو استيرادها إلى الولايات المتحدة. ولكن لم يكن لدى أيٍ كان أدنى فكرة حول مصدر القهوة اليمنية المتوفرة في السوق، وكانت هناك العديد من الأسئلة حول مكان انتاج هذه القهوة. وعندما نظرت بدقة إلى سلسلة القيمة، اكتشفت الكثير من المشاكل. كان المزارعون يحصلون على أقل مبلغ من المال، وكان يتم استغلالهم بشكل كبير. قررت بعد ذلك الالتزام بهذا المشروع بالكامل. كانت البداية وحيدة جداً. لم يكن لدي من يسدي لي النصيحة أو من أتحدث إليه، واضطررت لتوعية نفسي بنفسي لأنني لم أكن أعرف شيئًا عن الزراعة في ذلك الوقت”.
كما واجه عبد الرحمن عقبات مماثلة عندما أنشأ شركته، يقول: “في الأساس، كان عليّ تكوين فريق عبر الهاتف، لندع الأمر على هذا النحو. لقد انخرطنا في مجال القهوة دون أن نعرف أي شيء، وكان علينا أن نتعلم كل شيء من الصفر. بدأنا على الفور في النظر إلى الجانب الزراعي، وهو الجزء الأصعب في سلسلة التوريد. غالباً ما يفتح الناس إما مقهى أو محمصة. ولكننا أدركنا أن القهوة المتخصصة هي أفضل طريقة للمساهمة في ترويج والتأثير إيجابياً في اليمن، سواء من الجانب الإقتصادي أو من جانب دعم المزارعين بشكل مباشر. قمنا بوضع آلية تسلسل للمزارعين لإرساء الأمل بشكلٍ ملموس. يمكن تصنيف المزارعين الذين ينتجون كميات كبيرة كمزارع واحد؛ نقوم بترويجهم وتسويق منتجاتهم بشكل منفصل. كما قررنا كذلك أننا بحاجة إلى المشاركة في العملية برمتها. فنقوم بتوثيق كل خطوة مهما كانت صغيرة بدءًا من عملية قطف كرز القهوة. ويعد التوثيق مهماً جداً بالنسبة لنا لأنه يساعد في عملية تقييم البن اليمني ويبرر أسعارنا”.
وشدد كلاهما على عوامل الخطر في العمل في اليمن. قال مختار: “كما تعلم، في عام 2014، عندما قررت العيش في اليمن، كان الوضع السياسي غير مستقر نهائياً. لقد عايشت الحرب من بدايتها، وما زلت في اليمن حالياً، ولا تزال هنالك غارات جوية. تعاني البلاد من الفقر، وتعصف بها حالة عدم الاستقرار. لذلك فالأمر ليس لضعاف القلوب، وليس بشيء يفعله شخص لتحقيق مكاسب مالية. فهناك أمور أخرى يمكنك القيام بها وجني المزيد من الأموال، دون أن تضطر للمخاطرة بحياتك. تعرضت حياة عائلتي للخطر وذهبوا إلى أمريكا للعثور على الحلم الأمريكي. أما أنا ففعلت العكس، رجعت إلى اليمن لأصبح مزارعاً وليس محامياً. ولكن ما يلهمني هو ما فعلته القهوة المتخصصة في رواندا بعد الإبادة الجماعية. أعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا أن نسلك مسارات ذات مغزى في الحياة”.
أوضح عبد الرحمن تحديات إمكانيات الوصول قائلاً: “التحركات اللوجستية هي التحدي الأكبر. لا توجد طرق في هذه القرى، أو بالأحرى، لا توجد طرق في اليمن بشكل عام. بالنسبة لإمكانية الحصول على المياه، فهناك المشكلة المادية المتمثلة في الناحية اللوجستية ومشكلة ندرة المياه. يعتمد سكان اليمن على هطول الأمطار، وهي المصدر الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه للحصول على المياه”. ثم أردف قائلاً: “دعني أخبرك أيضاً عن نقاط التفتيش؛ ستواجهك بكل بساطة 30 نقطة تفتيش من القرى إلى صنعاء، والمسافة تتراوح ما بين 80 إلى 100 كيلومتر. وبعد ذلك، من صنعاء إلى عدن، حيث نشحن منتجاتنا، نواجه 60 نقطة أخرى من نقاط التفتيش. وعندما أقول نقطة تفتيش، يمكن أن يكونوا من الحوثيين أو أنصار الشريعة أو قطاع طرق، لا يمكنك أن تعرف أبداً”.
فيما يتعلق بسوق القهوة في دول مجلس التعاون الخليجي، يقول عبد الرحمن: “لقد بدأت البيع في دول مجلس التعاون الخليجي في العام الماضي فقط، وأقمت شراكات مع شركات مثل آرتشرز (Archers) في الإمارات العربية المتحدة، وهم يدركون تماما ما نقوم به. لم يكن من السهل، في بداية الأمر، الدخول إلى السوق الخليجي لأننا نعاني من متلازمة الرجل الأبيض. فنحن نمجد بطريقة ما أي شيء يأتي من الخارج. لذلك، قررنا اكتساب المصداقية الدولية أولاً”.
وعلق مختار على الموضوع نفسه قائلاً: “في عام 2017، تم تصنيف منتجاتنا الدرجة الأولى عالمياً من قبل كوفي ريفيو، وعرض قهوتنا بهذه الطريقة أمر يعني لنا الكثير. لا أعتقد أن اليمن سيكون قادراً على المنافسة في الكمية مع بعض هؤلاء المنتجين الكبار مثل البرازيل وكولومبيا، ولكن من حيث الجودة، يمكننا المنافسة. أعتقد حقاً أن السوق الأسرع نمواً على مستوى العالم هو سوق دول مجلس التعاون الخليجي، أقول هذا بصفتي شخصاً يبيع القهوة إلى آسيا والولايات المتحدة وأوروبا. إن ما يحدث في الخليج هو أمر مثير للاهتمام للغاية، لأن العديد من أصحاب المحامص هم أشخاص كانوا يعملون في القطاع الحكومي أو كان لديهم وظائف في شركات كبرى قبل أن يدخلو مجال القهوة المتخصصة. لديك أمثلة كثيرة لأشخاص رائعين مثل إبراهيم الملوحي صاحب مقهى اسبريسو لاب، والذي أعتقد أنه أحد رواد صناعة القهوة المميزة في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو حقًا شغوف ومبدع في مجال القهوة “.
واختتم مختار حديثه عن فرص الاستثمار في الإنتاج الزراعي اليمني خارج مجال القهوة بالقول: “أتذكر أنني كنت في أحد فنادق دبي قبل عدة أسابيع، وأكلت تفاحة، قضمت منها قليلاً، وأرجعتها إلى الثلاجة ونسيت أمرها. بعد بضعة أيام، عدت وتذكرت التفاحة. اعتقدت أن أجدها متعفنة في هذا الوقت، لكنها لم تكن كذلك. فقلت لنفسي: “الله أعلم أي نوع من المواد الكيميائية الخاصة المضافة والحافظة تم رشها على هذه التفاحة. لدينا تفاح أحلى في اليمن!” وهذا جعلني أفكر في مدى سهولة استيراد منتجات طازجة وعالية الجودة من اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي. يمكن للاستثمار في المنتجات الزراعة اليمنية أن يسمح لدول مجلس التعاون الخليجي بمعالجة قضايا أكبر، مثل الأمن الغذائي، وسيعود ذلك بالمنفعة على المنطقة بأسرها. أحب أن أسميها سلسلة التوريد العربية ـ ينتجها العرب، ويستهلكها العرب”.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.