ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الوقت الذي امتازت فيه العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية بالانفراج وانخفاض التصعيد في عام 2021، إلا أن الخلاف بين طهران وواشنطن بشأن تطوير البرنامج النووي الإيراني، المثير للجدل، ما يزال دون حل. وإذا لم يتم حل هذا الخلاف خلال الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن يؤثر على علاقات إيران مع دول الخليج العربية. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تشكل العلاقات الثلاثية بين إيران ودول الخليج العربية والولايات المتحدة ديناميكيات الأمن الإقليمي في عام 2022. لقد عملت القرارات الاستراتيجية الرئيسية، التي اتخذتها هذه الدول منذ انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في 8 مايو/أيار 2018، على التخفيف من حدة الوضع المتدهور لتلك الديناميكيات في العام الجديد.
رحبت كلٌ من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وما تلاها من حملة “الضغوط القصوى” ضد إيران بهدف معلن يتمثل في إجبار إيران على “تغيير سلوكها”. ووجدت الدول الثلاث أن الاتفاق النووي لم يكن فعالًا في إحباط ما تعتبره طموحات إيرانية للحصول على القدرات النووية، التي يمكن لطهران أن تستخدمها لإبراز نفوذها بشكل أكبر في المنطقة – على حساب تلك الدول الثلاث. عدا عن ذلك، فقد قدمت هذه الدول الحجة القائلة بأن إيران استغلت الفوائد الاقتصادية المتأتية من رفع العقوبات – وانعدام القيود في الاتفاقية – لمواصلة دعم وكلائها في الخارج، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.
تمثل رد طهران الأولي على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في الحد من مستوى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، لكنها ظلت في إطاره. أما بالنسبة لداعمي الخطوة الأمريكية في المنطقة، فقد تجاهلتهم طهران إلى حد كبير، على الرغم من التحذير المبطن للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، الذي أصدره في 4 ديسمبر/كانون الأول 2018، “إذا أرادوا منع تصدير النفط الإيراني في يوم من الأيام، فلن يتم تصدير أي نفط من الخليج الفارسي”. أدى تصريح ترامب في 22 أبريل/نيسان 2019 عن نيتة “تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر”، إلى قيام إيران بتغيير سلوكها، لكن تطور الأمر إلى ما هو أسوأ. تورطت إيران في هجمات عام 2019 ضد الشحن التجاري المرتبط بالإمارات في مايو/أيار ويونيو/حزيران، وطائرة أمريكية مسيرة في يونيو/حزيران، ومنشآت سعودية لتكرير النفط في سبتمبر/أيلول. من ناحية أخرى، لم تستهدف إيران إسرائيل، التي يتفاخر قادتها بإقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، والتي تقوم بقصف ممنهج للمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا.
لماذا استهدفت إيران في المقام الأول الإمارات والسعودية بدلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل؟ لم تعلن طهران أبدًا مسؤوليتها عن الهجمات بشكل رسمي، ناهيك عن الكشف عما في جعبتها من اعتبارات استراتيجية، لكن ما تعيه طهران من عدم رغبة دول الخليج العربية في الرد على الهجمات والمخاطرة في دخول حرب مع إيران لا بد أنه ساهم في تشكيل الحسابات الإيرانية. وسرعان ما اتضح أن الولايات المتحدة أيضًا لم تكن ميالة للتورط في حرب مع إيران. “لقد كان هجومًا على السعودية، ولم يكن هجومًا علينا”، تلك كانت مقولة ترامب الشهيرة في تعليقاته العلنية الأولى بعد هجمات 2019 على السعودية. لو كانت الهجمات موجهة ضد إسرائيل، لما كانت طهران تتوقع درجة مماثلة من ضبط النفس من الإسرائيليين.
ربما يكون افتقار طهران إلى لوبي فعال، في واشنطن، يدعو إلى مناهضة حملة “الضغوط القصوى” هو ما حفز إيران على هذه الهجمات. فمن خلال استهدافها لدول الخليج العربية، كانت طهران تأمل في تحويل هذه الدول لمناصرة سياسة تفكيك نظام العقوبات الشامل الذي تفرضه الولايات المتحدة على إيران.
في أعقاب الهجمات، تحركت الإمارات لتهدئة التوتر، ما أدى إلى زيارة وفد من خفر السواحل الإماراتي لإيران في يوليو/تموز 2019، وزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين في انتهاك للعقوبات الأمريكية، وزيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي لطهران في ديسمبر/كانون الأول 2021. انخرطت السعودية وإيران كذلك في عدة جولات من المحادثات التي استضافتها الحكومة العراقية للحد من التوتر.
وفي الوقت الذي قد تكون فيه إيران ودول الخليج العربية مخلصةً في محاولاتها للتقليل من التوترات الإقليمية، إلا أن الغيوم القاتمة ما تزال تخيّم على الديناميكيات الأمنية في المنطقة. مع توقف المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، قد تكرر إيران أسلوبها المعروف جيدًا في استهداف الإمارات والسعودية، في محاولة لفرض ضغوط غير مباشرة على الولايات المتحدة. من جانبها، تلتزم الولايات المتحدة بمنع انتشار الأسلحة النووية، وتطالب بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، ومع ذلك فهي ما تزال لا ترغب في التورط في حرب مع إيران بسبب الهجمات الإيرانية الكبيرة والصغيرة على من ينفذ هذه العقوبات من العرب. وهذا لا يبشر بالخير لديناميكيات الأمن الإقليمي في العام الجديد.