كيف سيتعامل ترامب مع خصوم الداخل والخارج؟
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
إن الجهود الناشئة بين دول الخليج العربية وإيران لتطوير عملية انفراج العلاقات والتخفيف من حدة التوتر هي في حدّ ذاتها هامة وهشة وموضع ترحاب.
ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرعإن الجهود الناشئة بين دول الخليج العربية وإيران لتطوير عملية انفراج العلاقات والتخفيف من حدة التوتر هي في حدّ ذاتها هامة وهشة وموضع ترحاب. ولم تخدم المنافسة بين الطرفين التي شهدت تقلّبات على مدى العقود الأخيرة مصالح أي منهما على نحو جيد. ويصب تطوير نظام إقليمي مستقر وآمن في الخليج بشكل واضح في مصلحة المجتمع الدولي. وبالإضافة إلى انتهاز هذه الفرصة النادرة التي يبدو أنها تتشكّل ومحاولة الارتكاز عليها، تتمثّل المهمة الفورية في وضع خارطة طريق لما قد تتطلّبه المصالحة بين إيران ومجلس التعاون الخليجي وما قد تبدو عليه. إن هذا الاطار ضروري إذ يساعد على توجيه هذه العملية وقياسها. وفي حين يقع عبء تطويرها على عاتق الأطراف أنفسهم، إن المساعدة التي يقدّمها الآخرون للتفكير في الخطوط العريضة لهذه المبادرة ليست سابقة لأوانها. وقد تكمن إحدى سمات النهج الفعال الرئيسية في طبيعته التسلسلية حيث يؤدّي التعامل الناجح مع مسألة واحدة، منطقيًا، إلى التالية حتى يتم التعامل مع المشاكل الإقليمية الأكثر ضررًا وإعادة ترسيخ أسس الاستقرار.
كيف تصاعدت التوترات
ابتداءً من العواقب غير المقصودة للردّ الأمريكي على هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية، ولا سيما الإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان وبنظام صدّام حسين في العراق، رأت دول الخليج العربية والكثير غيرها أن معظم التطورات السياسية الكبرى في المنطقة قد عزّزت ببطئ وإنما بثبات النفوذ الإيراني. وازدادت حدّة القلق الخليجي في خلال ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية عندما ساد انطباع، عبر القول والفعل، أن واشنطن لم تعد حليفة موثوقة. فتعليقات أوباما التي انتقد عبرها هذه الدول ووصفها “بالمنتفع المجاني” التي تحتاج إلى “مشاركة” الشرق الأوسط مع إيران، بالإضافة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة المتعلّقة بالاتفاق النووي الإيراني وكذلك إبطال أوباما “للخط الأحمر” المتعلّق بالأسلحة الكيميائية في سوريا ورفضه المشاركة الفعالة في الصراع السوري قد فاقمت جميعها الشعور بالضعف الشديد الذي تملّك بلدان الخليج العربية.
وبلغت التوترات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ذروتها في كانون الثاني/ يناير 2016 عندما خرّب غوغائيون إيرانيون مقرّات البعثات الدبلوماسية السعودية بعدما نفّذت المملكة حكم الإعدام بحقّ رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر. ثم أعلنت الجامعة العربية حزب الله منظمة إرهابية وجرّمت بلدان مجلس التعاون الخليجي دعمه. وعزّزت إيران من جهتها تدخلها، إلى جانب حزب الله وروسيا، في سوريا ورجّحت كفة الصراع لصالح النظام وأُفيد أيضًا عن ازدياد نشاطها في اليمن والبحرين.
لماذا هذا التوقيت لإذابة الجليد المحتملة؟
غير أن في الأشهر الأخيرة، ظهرت علامات متعددة من الجانبين تنبئ بذوبان جليد مرتقب. وأتى أولًا اتفاق أوبك لخفض إنتاج النفط في محاولة لتعزيز أسعار الطاقة المتدهورة. وشكّل ذلك الإشارة الأولى بعد أشهر متعددة على أن الأطراف تنظر إلى أبعد من إطار لعبة محصلتها صفر، وتستطيع تحديد مجال للمنفعة المتبادلة. وكما يحصل غالبًا، كسرت التجارة الجليد بين المتنافسين المتناحرين اللذين رأيا منطق الربح المالي لكافة الأطراف الذي لا يُقاوَم.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت إشارات متعدّدة تبشّر بالخير. ففي كانون الثاني/ يناير، سلّم وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الصباح رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بالنيابة عن مجلس التعاون الخليجي بأكمله تعرض بشكل أساسي إطاراََ للحوار البنّاء. وأتى ذلك كردّ على الخطاب الرسمي الذي أرسلته إيران على نفس النحو لمجلس التعاون الخليجي في أوائل عام 2016.
وعدّدت رسالة دول الخليج العربية لطهران ثلاثة مبادئ أساسية لا بدّ أن يستند عليها أي حوار موضوعي وتضمن ألا يكون إجراءً صوريًا. ويفرض مبدأ مجلس التعاون الخليجي الأول احترام البلدان كافة لسيادة البلدان المجاورة وسياسة صارمة تقوم على عدم التدخل في شؤون بعضها بعضًا الداخلية. وينص المبدأ الثاني على أن الثورة الإيرانية كانت حدثًا وطنيًا بامتياز ولا يجوز “تصديرها” إلى أي بلد آخر. أما المبدأ الثالث فيفرض النظر إلى المجتمعات المحلية الشيعية في بلدان الخليج العربية كمواطنين في هذه البلدان حصرًا وليس كجزء من أي مجموعة أوسع نطاقًا تستطيع إيران أو أي قوة أخرى الادعاء أنها تمثّلها.
وفي خلال الاجتماع، أُفيد أن روحاني قبل بالمبدأ القائل إن الثورة الإيرانية كانت بالفعل ظاهرة وطنية وليست قابلة للتصدير. وفي خلال زيارة متبادلة إلى الكويت وعُمان، نقل بدوره رسالة أعربت عن انفتاح إيران على الحوار وحثّت على التقدّم وأيدت على ما يبدو المبدأين الأول والثالث من مبادئ مجلس التعاون الخليجي للحوار. ومن بين المفاتحات البلاغية الإيرانية التي صدرت مؤخرًا، غرّد روحاني عبر تويتر بالعربية في شباط/ فبراير وتناول على ما يبدو آفاق إصلاح العلاقات قائلًا إن “الفرصة تمرّ كالسحابة. ولذلك استفيدوا جيدًا من الفرص الجيدة”.
ولعل الأهم من ذلك هو موافقة إيران والمملكة العربية السعودية مؤخرًا على صيغة لمشاركة الحجاج الإيرانيين في مناسك الحج السنوية في هذا العام بعدما انتهت المفاوضات باتهامات متبادلة في عام 2016. ومنذ عشرينات القرن الماضي، وبعد فترة وجيزة من تأسيس الدولة السعودية الحديثة، شكّلت قضايا الحج مصدرًا دائمًا للتوترات بين طهران والرياض ويُعتبر حلّها المفتاح لتحسين العلاقات بين الطرفين. وتكرّر هذا النمط في تأثير القضايا المتعلقة بالحج على العلاقات السعودية الإيرانية مرات متعددة في خلال القرن العشرين، وربما هذا ما يحصل حاليًا.
وتشمل الأسس الرئيسية للحوار بين مجلس التعاون الخليجي وإيران التحولات الناشئة في المشهد الاستراتيجي التي تحفّز كلا الطرفين على النظر بجدية في التوصل إلى حل وسط بنّاء إن لم يكن تقاربًا كاملًا. وعزّزت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ج. ترامب الجديدة بدرجة كبيرة التفوق العربي وزادت من الضغوطات على طهران. وأعربت واشنطن بوضوح عن التزامها بإعادة بناء علاقاتها مع حلفائها العرب السنة التقليديين ومن ضمنهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، تمامًا كما وضّحت عزمها على تشديد نهجها تجاه إيران. ويجري بالفعل تطبيق هذا الموقف الأمريكي الجديد في الصراعات الإقليمية في سوريا واليمن وسرعان ما أحدث ذلك تغييرًا كبيرًا في توازن القوى والمعادلة الاستراتيجية في الشرق الأوسط نظرًا لفعالية الولايات المتحدة العسكرية التي لا نظير لها.
وشكّلت الضربة الصاروخية الأمريكية التي استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام السوري في 6 نيسان/ إبريل التكرار الأشد صدمة لنهج واشنطن الجديد تجاه الشرق الأوسط والتحديات الكبرى الجديدة التي يفرضها على مصالح إيران وحلفائها. وأتت الضربة الصاروخية الأمريكية كردّ على الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي شنّه نظام الأسد في 4 نيسان/ إبريل على المناطق التي تسيطر عليها القوى المسلحة في شمال سوريا. ومن خلال الردّ بالقوة على استخدام النظام السوري مجددًا لغاز السارين، أرسلت إدارة ترامب سلسلة من الإشارات إلى حلفائها وأعدائها على حدّ سواء في الشرق الأوسط لإثبات استعدادها على الاستخدام السريع للقوة النارية الأمريكية في المنطقة من دون التحفظ الذي تميزت به إدارة أوباما.
ويشير هذا الرد العسكري بشدّة إلى أن إدارة ترامب تضع سياسة تجاه سوريا تركّز على نقاط الاختلاف بين الرئيس بشار الأسد وإيران، فضلًا عن روسيا، وذلك بدلًا من التركيز على مجالات الاتفاق المحتمل من مثال المعركة ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ووضعت هذه الضربات الصاروخية واشنطن على مسار قد يؤدّي بسهولة إلى تعاظم تدخل الولايات المتحدة في سوريا، وفي هذه الحالة، من شبه المؤكد أن يصب ذلك في مصلحة الخليج وليس إيران.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى تزايد مستوى تدخّل الولايات المتحدة في اليمن. وتجاوز عدد الضربات الجوية الأمريكية في اليمن في شهر آذار/ مارس وحده مجموع الضربات المسجّل في أي سنة سابقة. وفي حين استهدفت هذه الضربات القاعدة في شبه جزيرة العرب، أفادت تقارير أن الولايات المتحدة تدرس دعم جهود سعودية إماراتية مشتركة مرتقبة لطرد الثوار الحوثيين وحلفائهم من ميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر. وفي حين لم يُتّخذ أي قرار، إن النظر الجدي في زيادة دور الولايات المتحدة في الحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران يشكّل بحدّ ذاته إشارة إلى تطوّر السياسة الأمريكية بطريقة تعزز بوضوح مكانة دول الخليج العربية. وصرّح رئيس القيادة المركزية الجنرال جوزيف فوتيل أمام الكونغرس في 29 آذار/ مارس قائلًا إن في اليمن “مصالح أمريكية حيوية على المحك”. وهذا أول تصريح من هذا القبيل يصدر عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى بشأن حملة اليمن وقد يوفّر الأسس السياسية لزيادة تدخل الولايات المتحدة في جوانب كثيرة من هذا الصراع.
وأُفيد أن وزارة الخارجية قررت رفع الحظر المؤقت عن ذخائر دقيقة التوجيه بقيمة 400 مليون دولار تقريبًا للمملكة العربية السعودية لاستبدال تلك التي استُخدمت في صراع اليمن وعن طائرات حربية من طراز أف 16 بقيمة 5 مليارات دولار تُباع للبحرين. وأيّدت واشنطن أيضًا بشكل أساسي تقارير المنامة الأخيرة التي تفيد بأنها كشفت مخزونات ضخمة من الأسلحة والذخائر في البحرين والتي تقول الولايات المتحدة وبلدان الخليج العربية إن مصدرها إيراني.
وكانت بلدان الخليج العربية تسعى أيضًا إلى التصدي نوعًا ما لمكاسب إيران الاستراتيجية والسياسية في العراق من خلال التواصل السعودي مؤخرًا مع حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي واستجابته لها. فبالنسبة للرياض والعبادي يهدف ذلك إلى المساعدة على مواجهة تحدّ سياسي خطير من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يُنظر إليه على أنه طائفي بشكل غير مقبول ومرتهن لإيران. وشكّل ذلك أيضًا محاولة من الرياض وحلفائها لتطوير المجال السياسي الذي يسمح لها بفرض نفوذها في العراق بعد تحرير الموصل من قبضة الدولة الإسلامية. وإذا استطاع العبادي مواجهة تحدي المالكي، الذي يركّز في المقام الأول على الانتخابات النيابية في عام 2018، فإن الرياض وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي سيحظون بنفوذ لا مع الفصائل العراقية السنية فحسب وإنما مع حكومة العبادي الجديدة وحلفائها أيضًا. وسيتمكن العراق بالتالي من الابتعاد عن مدار طهران أكثر من أي وقت مضى.
وبالتالي، إن تفوّق إيران الاستراتيجي الإقليمي الذي بدا منيعًا منذ أشهر قليلة لم يعد بالوضوح الذي كان عليه سابقًا. ومن المؤكد أن إيران قد أحرزت تقدمًا كبيرًا في برنامج سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة. إلا أن التغيير الواضح في مواقف الولايات المتحدة وسلوكها تجاه مجموعة من قضايا الشرق الأوسط والتطورات الأخيرة الأخرى قد عزّز الموقف العربي. ولذلك ترى إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة بوضوح منافع استكشاف احتمالات إصلاح بعض العلاقات على الأقل ما قد يؤدي إلى مصالحة أوسع نطاقًا.
إطار تسلسلي للتقدم
في حال بدأ حوار استراتيجي بجدية، من الضروري جدًا للطرفين المضي قدمًا مع إطار واضح لما ستتطلّبه إعادة إقامة مستوى أساسي من التعاون. ومن أجل التعامل مع الأسباب الكامنة للتوترات وعدم الاستقرار، سيتعيّن ربما على الأطراف معالجة سلسلة من القضايا المتنازع عليها بطريقة تسلسلية فتؤدي كل قضية إلى الأخرى. وعندما يتشكّل إطار التقدّم بهذه الطريقة يرتكز على مكوّناته ويدلّ على المكاسب المتبادلة ويبني الثقة ويضع أسس الخطوة البناءة التالية ويحدّ فضلًا عن ذلك من احتمالات التهييج ومصادر التوتر.
اليمن
أولًا، يتيح الصراع في اليمن الفرصة لطهران لإظهار مدى جدّيتها في الحدّ من نقاط الاحتكاك مع جيرانها العرب في الخليج. وفي حين أن دعم إيران لميليشيا الثوار الحوثيين ليس موضع شك، فإن أهمية نفوذها على المتمردين يقلّ كثيرًا عن نفوذ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. في الواقع، يبدو استثمار إيران الإجمالي في حرب اليمن متواضعًا جدًا. ولهذين السببين ونظرًا للحاجة الإنسانية الملحّة لإنهاء الصراع في اليمن، قد تدعو إيران علنًا جميع أطراف النزاع لاتخاذ خطوات فورية من أجل تقديم التنازلات اللازمة لاستئناف المفاوضات. وعند القيام بذلك لا تخسر إيران أي شيء تقريبًا: سيقوم الحوثيون بما يرونه مناسبًا لمصلحتهم وكذلك سيفعل السعوديون والإماراتيون ولكن الإيرانيين يستطيعون لعب دور صانعي السلام وقد يؤمّنون ربما الزخم لإنهاء الحرب.
وهذه النتيجة ستكون ضرورية لاحتواء نمو المجموعات المتطرّفة مثل تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب والدولة الإسلامية في العراق والشام وعكسه على نحو تام وذلك في سياق الحرب الجارية، وسيصبّ ذلك في مصلحة الجميع. وسيتحمّل الطرفان وحلفاؤهما حصتهما من العبء الثقيل من أجل إعداد محادثات سلام جدية تفضي إلى تسوية سياسية في اليمن، ولكن سيكون من الصعب جدًا المضي قدمًا على الصعيد الإقليمي طالما أن الصراع مستمر هناك.
الأمن البحري في الخليج وحرية العبور
ثانيًا، لا بدّ من التوصل إلى التزام متبادل لضمان الحفاظ على أمن مياه الخليج بحد ذاته وإبقائها مفتوحة أمام العبور الحر للشحن الدولي من دون عوائق. وينبغي وضع حدّ للتهديدات بالتعرّض للدخول من دون قيود في التجارة والنقل البحريين الدوليين ولا سيّما ضد نقاط الاختناق الحيوية استراتيجيًا. فقد هدّد مسؤولون إيرانيون مرارًا “بإغلاق” مضيق هرمز الحيوي الذي ينبغي أن يمرّ عبره ما يُقدّر بثلث إجمالي كمية النفط المتداول بحرًا متجها إلى الولايات المتحدة وحلفائها وكان آخرها في أيار/ مايو 2016.
وسيستفيد الطرفان بقوة من هذا الالتزام والجهود العملية لضمان التعاون من أجل تأمين إمكانية الوصول هذه والانفتاح. ومجددًا، يوفّر هذا المسعى مكاسب كثيرة للطرفين ويمكن اعتماده كبديل استراتيجي لاتفاق أوبك المربح للأطراف كافة. وقد يعزّز أيضًا حس الشراكة والمسؤولية المشتركة لضمان النظام والاستقرار في المنطقة اللذين يحتاجهما الطرفان ويصرّان على رغبتهما فيهما. وفي أحسن الأحوال، قد يبدأ بتطوير حلقة فعالة من التعاون القائم على تعزيز الذات والمنفعة المتبادلة.
سوريا والعراق
ثالثًا، يمكن للطرفين، بل يتعيّن عليهما، الاتفاق بشأن الاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية والحاجة إلى الاستقرار في سوريا والعراق. وتختلف ساحتا المعركة الإقليميتان بطرق متعدّدة ولكن تجمع بينهما بعض السمات الأساسية التي يمكن أن تسمح بمعالجتهما كبند واحد ضمن هذا الإطار التسلسلي الأوسع نطاقًا. وبالرغم من عدم قدرة إيران والدول الخليجية، حتى مع مشاركة تركيا ودول أخرى، على حلّ الحروب في سوريا والعراق، من الصحيح أيضًا أنه لا يمكن إحراز تقدّم يُذكر في أي من البلدين من دون تفاهم إقليمي بأن إنهاء هذه الصراعات يحتل أهمية قصوى وأن كلفة استمرارها تفوق كلفة الحلول التوافقية الضرورية لحلّها.
وإذا كان الصراع في اليمن قادرًا على التحول إلى مأزق للمملكة العربية السعودية، قد يشكّل الصراع الأشد وحشية ودموية في سوريا خطرًا مماثلًا على إيران وحزب الله. وتشير معظم التقديرات الموثوقة إلى أن نظام الأسد يشمل حوالى 20 ألف جندي من القوات البرية الجديرة بالثقة ويعتمد على حوالى 150 ألف مقاتل من إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية ليتمكن من البقاء. وبالتالي، يبدو أن الالتزام مفتوح. وليس هناك ما يشير إلى تزايد الدعم السياسي المحلي لنظام الأسد لأن التدخل الذي تترأسه إيران قد حال دون انتصار المجموعات المسلحة. وبالعكس تمامًا، تظهر إشارات واضحة على أن الحرب ستستمر ولا يرى أي مراقب جدير بالثقة أن النظام وحلفاءه سيتمكّنون من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد الواقعة حاليًا في قبضة هذه الجماعة المعارضة أو تلك.
فضلًا عن ذلك، ومع تعرّض المجموعات الأساسية من المسلحين المعارضين لانتكاسات فادحة مثل سقوط حلب في نهاية عام 2016 تنامت مكانة المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة ونفوذها ضمن المعارضة. ويشكّل ظهور المجموعات السلفية الجهادية في سوريا ومن ضمنها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تهديدًا واضحًا لإيران على عتبة بابها. إن النطاق الهائل لمشروع إيران القائم على دعم دولة سورية مختلة وظيفيًا ومجزأة، وإن كان بدعم روسي، والتكاليف التي تترتّب على طهران قد بدأت بالظهور.
وفي حين تتفق طهران وموسكو على ضرورة منع انهيار نظام الأسد تختلف وجهات نظرهما وأولوياتهما في سوريا وما يتعلّق بها على نحو لافت. وفي أعقاب استعادة النظام لمدينة حلب، يبدو أن روسيا، وليس إيران، هي التي تشكّل إلى حدّ كبير النهج الاستراتيجي للتحالف المؤيد للأسد. لقد ضمنت إيران مصالحها ولكن لا يبدو أنها زادت من نفوذها في سوريا. وكل هذا يعني أن طهران لديها كل الأسباب لتتقبّل التفاهم المحتمل بشأن سوريا والذي يمكنه أن ينقذها من ورطة تزداد خطورة قد تسببت بها “ولا تملك استراتيجية خروج” منها، كما أشار بعض الإيرانيين النافذين. وتزايد بهدوء الانتقاد لمستوى الإرهاق الذي بلغته الدولة وبخاصة في سوريا على مدى العام ونصف العام الماضي في إيران بالرغم من القيود المفروضة على النقاش المفتوح.
وتملك بلدان الخليج العربية حافزًا بالأهمية ذاتها على الأقل إن لم تكن أكبر لتشجيع التوصل إلى حلّ سياسي للصراع السوري. وتعرّضت مجموعات الثوار التي تدعمها السعودية وقطر بالاشتراك مع تركيا لسلسلة من الانتكاسات العسكرية الخطيرة على يد قوات موالية للنظام وبلغت ذروتها بفقدان حلب وغيرها من الأراضي الاستراتيجية الحيوية التي يسيطر عليها الثوار. وفقدت هذه المجموعات نتيجة ذلك نفوذها في دوائر المعارضة ويعود ذلك إلى حدّ كبير لتوسّع نطاق انتشار المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وأصبح تحالفها الاستراتيجي مع تركيا معلّقًا في أحسن الأحوال في وقت تتعامل فيه أنقرة مع اضطراباتها السياسية المحلية وتركز على الدور الكردي المتطوّر في شمال سوريا. وتضاءلت بالتالي قدرة بلدان مجلس التعاون الخليجي على التأثير في الأحداث في سوريا على نحو منتظم منذ تعاظم الدفاع الإيراني الروسي المشترك عن النظام الذي بدأ في خريف عام 2015. وفي حين يبدو أن الحرب في سوريا ستستمر إلى أجل غير مسمّى حتى يتم التوصّل إلى حلّ سياسي، قد لا يسمح ذلك لبلدان الخليج العربية إلا بلعب دور المفسد بدلًا من المساعدة على التوصل إلى نتيجة مرضية. وفي ظل الظروف الراهنة، يشكّل التفاهم مع إيران حول سوريا، ومع روسيا أيضًا على ما يبدو، الطريقة الواضحة الوحيدة التي تستطيع من خلالها بلدان الخليج العربي تحقيق أهدافها الأساسية في سوريا.
وقد يصعب جدًا التوصل إلى تفاهم بين إيران ودول الخليج العربية حول سوريا لأن الطرفين يعتبران أن مصالحهما في الصراع وجودية فعليًا. وسيكون من الأصعب بعد الاطلاع على تفاصيله. ولكن بما أن الإطار التفاوضي للمستقبل هو الوسيلة المنطقية الوحيدة لإنهاء الصراع السوري، فلدى إيران وبلدان الخليج العربية مصلحة كبيرة في تحقيق هذا التفاهم. ولا يمكن البدء بإعادة استقلال سوريا وتكاملها وسلامتها الإقليمية، حتى لو حصل ذلك ضمن إطار فيدرالية فعلية لينة أو بحكم القانون إلا بدعم من اللاعبين الخارجيين مثل إيران وتركيا وروسيا ودول الخليج العربية. وأُثبتت مصالح هذه الأطراف في ظل وقف فعال لإطلاق النار منذ محادثات السلام بشأن سوريا التي بدأت في كازخستان في كانون الثاني/ يناير. وبالرغم من غياب بلدان الخليج العربية إلا أنها شجعت ضمنًا دور تركيا كممثل فعلي للمخاوف السنية الإقليمية. وإذا كان من الممكن الحفاظ على وقف إطلاق النار هذا لأشهر متعددة فقد تبدأ أساسات ترتيب طويل الأمد بالظهور في سوريا وقد تنقل البلاد إلى ما بعد الحرب المفتوحة واحتضان المقرات الرئيسية العالمية للحركات الإرهابية الكبرى في مقاطعاتها التي دمّرتها الحرب.
ويمكن تصور عملية مماثلة في العراق بالرغم من الاختلافات الكبيرة بين الحالتين. وكما أُشير سابقًا، تجمع بين إيران وبلدان الخليج العربية على حدّ سواء علاقات معقولة مع حكومة العبادي. وبما أن العراق هو بلد عربي ذو أغلبية شيعية فلدى بغداد مصلحة كبيرة في أن تشكل جزءًا لا يتجزأ من العالم العربي فضلًا عن إقامة علاقات صداقة وشراكة مع إيران. ولدى إيران وبلدان الخليج العربي على حد سواء مصلحة كبيرة في القضاء على وجود الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ويستطيع الطرفان من دون شك العيش مع نهج عراقي تحافظ فيه بغداد على علاقات متينة مع إيران وأعضاء الجامعة العربية على حدّ سواء.
وسيتطلّب الأمر عملية أخذ وعطاء كبيرة من الجانبين ولا سيّما في سوريا ولكن أيضًا في العراق. وينبغي التكيف بطريقة أو بأخرى مع الحقائق السياسية الكامنة التي تنطوي على القوة القسرية في هذه البلدان وتجزُّئها والمصالح الشرعية لمختلف المجتمعات المحلية والدوائر. ولا يجوز التقليل من شأن الصعوبات التي تترافق مع تحقيق حتى قدر ضئيل من الاستقرار في البلدين ولا سيما سوريا. ولكن لا يجوز أيضًا التقليل من أهمية المصالح التي ستتمتّع بها إيران ودول الخليج العربية ناهيك عن الشعب العراقي والسوري بشكل عام عند ضمان هذه الترتيبات. وكما هو الحال في اليمن، إنها مسألة حوافز وضغوطات تمارسها إيران ودول الخليج العربية على حلفائها وعملائها في هذه البلدان لتقديم الاقتراحات المنطقية لإنهاء الصراعات المدمرة وقبولها. ولكن من دون هذا النفوذ، سيستمر الصراع المسلّح من دون شك وذلك على حساب الجميع.
حزب الله
رابعًا، من الضروري أن يعود حزب الله للتركيز على خدمة جمهوره في لبنان والتوقف عن التصرف فعلًا كطليعة ثورية دولية تدعم مجموعة من الميليشيات والمجموعات الإرهابية وغيرها من الجهات الفاعلة من غير الدول في مختلف أرجاء المنطقة. إن مدى فرض حزب الله لإرادته في مناطق كثيرة حساسة استراتيجيًا وسياسيًا في سوريا ليس مفهومًا على نطاق واسع خارج المشرق. فقد برزت المنظمة حتى كسلطة رئيسية مختفية وراء العرش في دمشق تمارس نفوذًا متزايدًا على صنع القرار وحتى على تعيين العناصر في القوات العسكرية والاستخباراتية التابعة للنظام وفي أقسام أخرى من الحكومة.
ونظّم الحزب حتى عرضًا عسكريًا في مدينة القصير السورية الحيوية التي تتمتع بأهمية استراتيجية والتي شكّلت ساحة لمعاركه الأولى والأهم. ونقلت صحيفة ذي وول ستريت جورنال عن مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية لم يُكشف عن اسمه قوله إن “تنظيم عرض عسكري يشيد بكم في بلد آخر هو من أعلى درجات الجرأة”. ووفقًا لحنين غدار، تسبّبت تجاربهم في سوريا بتوترات واستياء بين مقاتلي حزب الله وأسيادهم الإيرانيين. وأثارت الحرب أيضًا تساؤلات جديدة داخل الطائفة الشيعية في لبنان حول مبرّر وجود حزب الله وأهداف أعماله العسكرية بحيث “يسأل الناس الآن لماذا نموت من أجل السوريين”. وبالرغم من كل ذلك، يبقى تأثير إيران على حزب الله واسع النطاق وحاسمًا على الأرجح.
وإذا انزعج حزب الله ورعاته في طهران من تصنيف الجامعة العربية للحزب كمجموعة إرهابية ومن الحظر الذي يفرضه مجلس التعاون الخليجي على دعمه فإن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق يكمن بإصلاح الحزب لأساليبه والعودة إلى مبادئه الأولى وتولّي مهام معقولة في بلده الأم. وتساعد إعادة تركيز حزب الله على الاهتمام بطائفته وتمثيلها في لبنان والتخلي عن دوره الإقليمي على ضمان شرعية الحزب ومستقبله المشكوك بهما بدرجة كبيرة، كما تشير إلى استعداد إيران وحلفائها الإقليميين للعب دور بنّاء وأقل زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
إن هذا البرنامج المقترح المؤلّف من أربع نقاط للمصالحة بين إيران ودول الخليج العربية هو باعتراف الجميع طموح ومبتكر ونظري. ومن المؤكد أن إيران وبلدان الخليج العربية ستضع على الأرجح برنامجًا مختلفًا جدًا للتقدم. ولكن لا يكفي حث الطرفين على محاولة إصلاح خلافاتهما وإنشاء نظام إقليمي أكثر استقرارًا ليحلّ محلّ الوضع المتطيّر المستمر الحالي. من المهم أن يحاول الطرفان على الأقل، لمساعدة الجميع على التفكير في ما قد يبدو عليه النهج الأفضل عند تطبيقه.
هو كبير باحثين مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
سواء فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالرئاسة للمرة الثانية أم لا، فإن علامته التجارية ستبقى سمة واضحة في منطقة الخليج.
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.
تعرف على المزيد